رغم ردود الفعل العالمية التي أثارها اعتقال المعارض الروسي أليكسي نافالني لدى عودته إلى بلاده بعد أشهر من تعرضه لعملية تسميم مفترضة والدعوات إلى اطلاقه فوراً، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس، أن حديث الدول الغربية عن غضبها "يهدف إلى صرف انتباه مواطنيها عن مشكلاتها الداخلية". بدورها، قالت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، موجهة الحديث إلى منتقدي توقيف نافالني: "على السياسيين الأجانب الذين يعلقون على الوضع احترام القانون الدولي، لا تتطاولوا على التشريعات الوطنية للدول ذات السيادة، وركزوا على المشاكل في بلادكم". والمعارض نافالني (44 عاما)، الناشط في مجال مكافحة الفساد والعدو اللدود للكرملين والمعارض الأول للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يتهم الأخير بإصدار الأوامر لقتله عبر تسميمه بغاز الأعصاب "نوفيتشوك"، في أغسطس، إلا أن موسكو تنفي أن تكون ضالعة في عملية كهذه. وعاد المعارض، أمس الأول، إلى العاصمة الروسية بعدما أمضى فترة نقاهة استمرت 5 أشهر في ألمانيا. وأوقفته سلطات السجون الروسية فور عودته، لأنها تأخذ عليه انتهاكه شروط المراقبة القضائية التي يخضع لها من خلال انتقاله إلى الخارج للحصول على العلاج. وأكدت وزارة الداخلية الروسية، أنه سيتم إيداع نافالني 30 يوما في السجن. وفي تسجيل مصور نشرته المتحدثة باسمه، أمس، سأل نافالني عن سبب عقد الجلسة "في مركز للشرطة" للنظر في تمديد توقيفه، واصفا الإجراءات بأنها دليل على أن السلطات "أطاحت بإجراءات قانون العقوبات الجزائية"، معتبراً أن إجراءات توقيفه تعكس "غياباً مطلقاً للقانون". وفي فيديو نُشر قبل بضع دقائق من صدور قرار قضائي بوضعه في الحجز حتى 15 فبراير، دعا نافالني الروس "للنزول إلى الشارع" ضد النظام، وقال: "أكثر ما تخشاه هذه العصابات في الحكم تعرفونه، هو أن ينزل الناس إلى الشارع، إذاً لا تخافوا، انزلوا إلى الشارع، ليس من أجلي لكن من أجلكم، من أجل مستقبلكم". وفي ردود الفعل، أعلن وزير الخارجيّة الأميركي مايك بومبيو، أمس الأول، في بيان، أنّ الولايات المتحدة "تدين بشدّة قرار روسيا"، معتبراً أنّ "اعتقال نافالني هو الأحدث في سلسلة من المحاولات لإسكاته وشخصيّات معارضة أخرى وأصوات مستقلّة تنتقد السلطات الروسيّة". أضاف بومبيو: "نحضّ الحكومة الروسية على توفير مجال يكفل تكافؤ الفرص لجميع الأحزاب السياسية والمرشحين الذين يسعون للتنافس في العملية الانتخابية"، داعيا إلى "الإفراج غير المشروط" عن نافالني. وجاء بيان بومبيو بعد ساعات من دعوة فريق الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن للإفراج عن المعارض الروسي. وكان جيك سوليفان، الذي سيعمل مستشارا للأمن القومي لبايدن إذا صادق على تعيينه مجلس الشيوخ، قال: "يجب إطلاق السيد نافالني على الفور، ويجب محاسبة مرتكبي الهجوم الشنيع على حياته". وفي لندن، قال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، إن "توقيف السلطات الروسية لنافالني الذي تعرض لجريمة شائنة، أمر يثير الصدمة" داعياً روسيا إلى التحقيق في كيفية "استخدام سلاح كيماوي على أراضيها بدلا من اضطهاد نافالني. وطالبها بالافراج عنه "فورا". وفي برلين، ذكر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، أن نافالني "أخذ القرار المدرك للعودة إلى روسيا لأنه يعتبرها موطنه الشخصي والسياسي، وتوقيفه من جانب السلطات الروسية لدى وصوله غير مفهوم على الإطلاق". وأشار إلى أن "تسميما خطرا استهدف نافالني على الأراضي الروسية وتدعو برلين موسكو إلى التحقيق بشكل عميق في هذا الهجوم، وإحالة منفذيه إلى القضاء". من جهتها، دعت فرنسا إلى "الإفراج فورا" عن المعارض الروسي، وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أنها "تتابع وضعه مع شركائها الأوروبيين، بأقصى درجات اليقظة". ووصفت أوتاوا توقيف نافالني بأنه "غير مقبول". وفي بروكسل، انضمت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين إلى الأصوات المنددة باعتقال نافالني، وقالت: "يتعين على السلطات الروسية الإفراج عنه فورا وضمان سلامته". وفي خطوة لافتة، عنون موقع "روسيا اليوم" الممول من الحكومة الروسية: "هل يصبح المعارض الروسي نافالني خميني روسيا؟" ونقل الموقع عن المحلل السياسي ألكسندر نازاروف، أن "شهادة الوفاة السياسية للسياسي أليكسي نافالني صدرت عام 2014، عندما رفض الاعتراف بالاستفتاء على عودة شبه جزيرة القرم إلى روسيا". وتابع نازاروف: "لا شك أن هناك فساداً في روسيا، كما هو موجود في أي بلد آخر، ونافالني يبني مستقبله المهني على فضح هذا الفساد، لكن الجيل الأكبر يتذكر يلتسين جيداً، وكيف بدأ بنفس الطريقة، تحت شعارات رنانة، وآمال عريضة، فانتهى به المطاف بتدمير الاتحاد السوفياتي". وأضاف: "نافالني مغامر متعطّش للسلطة، والشباب لا يملكون خبرة كافية، ولا مناعة ضد الديماغوجيين، ويمكن التلاعب بهم بسهولة من خلال الشعارات البرّاقة، ومن الواضح أن واشنطن قررت استخدام نافالني كصاروخ وحيد الاستخدام، يمكن التخلص منه ما دام لا زال لديه بعض التأثير". وختم نازاروف: "ربما يكون ذلك هو التفسير المنطقي المعقول لقرار نافالني بالعودة إلى روسيا الآن، فهو لا يحظى بتأييد واسع مثل الخميني في زمانه، حينما كان الناس مستعدين من أجله للاشتباك مع السلطة، أما نافالني فقد باع نفسه".
مشاركة :