المقهى الدمشقي من قِبلة الأدب والفن إلى صحراء قاحلة

  • 1/21/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لا يمكن أن تدعي زيارة المدينة التاريخية دمشق دون أن تمر وتشرب فنجان القهوة أو كأس الشاي في مقهي الروضة الدمشقي، إنه بمثابة الجمارك السياحية الضرورية والإجبارية في رحلة أي زائر إلى العاصمة دمشق، فالزيارة ناقصة ما زالت لم تمر من ذلك المقهى الدمشقي التاريخي، إنه بات عرفاً على كل الزوار خصوصاً من النخب الفنية والثقافية. ظل هذا المقهى على مدى سنوات طويلة، الدليل للكثير من الأدباء والصحافيين والمثقفين يمضون معظم أوقاته على كراسيه الخزفية وطاولته الرخامية الضيقة، وساحته المغطاة بقماش بسيط، ورغم هذه البساطة في الديكور وحتى المساحة إلا أن هذه البقعة تحتضن أبرز وجوه الأدب والثقافة، حيث تحتضن هذه الساحة كل أنواع الحديث الثقافي بأبعاده السياسية والأدبية مع هامش واسع من الحرية. لسنوات طويلة وقبل الحصول على التلفون المحمول «الموبايل»، كان مقهى الروضة في حي الصالحية أقدم الأحياء الدمشقية وسط العاصمة، المقر الرئيس للكثير من الكتاب، فإذا فقدت التواصل مع أحدهم يمكن أن تجده من دون اتصال على طاولات المقهى، وفي أقل الأحوال يمكن أن تعرف أخباره من زوار المقهى، فهو منتدى بكل معنى الكلمة، يعوض الجميع عن وسائل التواصل الاجتماعي الحالية. جمع هذا المقهى طيفاً واسعاً من الجنسيات العربية، فالزائر العربي المهتم بالثقافة بطبيعة الحال أن يزور هذا المقهى ويلتقي نظراءه من المثقفين وتجمعهم كأس الشاي أو فنجان القهوة الدمشقي، مع كأس الماء البادر من ينابيع الفيجة وبردى الشهيرة في دمشق، والتي غنت لها فيروز، ولعل الجنسية الأكثر حضوراً في هذا المقهى هي الجنسية العراقية، فلا أحد على الإطلاق يمكن أن ينسى العراقي الأصيل أبو حالوب، هذا الشخص الذي لم يغب عن المقهى على مدار 20 عاماً، على الطاولة ذاتها والزاوية ذاتها في المقهى حتى حملت هذه الطاولة اسم طاولة أبو حالوب، الذي ظل رمزاً من رموز المقهى لسنوات طويلة يعرفه القاصي والداني، فيما يعرف أبو حالوب كل من تخطو قدمه إلى المقهى. تغيرت ملامح هذا المقهى في دمشق بعد الحرب، فدبت الوحشة إلى أروقته، وقل الزوار بعد أن هاجر العديد من المثقفين والكتاب والصحافيين، وتحول هذا المقهى إلى بقعة خالية من الزوار إلا من هم في محيطه، فيما كان الجميع يشق الكيلو مترات من أجل الوصول إليه، لكن المقهى اليوم فقد المئات من زواره. الحرب كانت أحد أسباب هجرة هذا المقهى من الزوار سواء من خارج سوريا أو خارج أسواء العاصمة دمشق، فقبل الحرب كانت دمشق آمنة يمكن التنقل من مكان إلى آخر في أي وقت كان، إلا أن الحرب خطفت هذا الأمان وبات الناس قلقين من التجول، ولم يعد المقهى المكان المناسب، لذا تراجع عدد الزوار إلى حد كبير. ولم تعد الجلسة فيه كما كانت قبل الحرب، ذلك أن الروضة اعتدنا عليه أن يجمع العرب والسوريين والسياح وغيرهم من الطبقات المختلفة، لكن اليوم باتت كل الأشكال مألوفة ومعروفة، لا تنوع على هذه الطاولات التي شهدت تنوعاً قل نظيره في كل مقاهي دمشق. كغيره من المناطق الدمشقية التي كانت تشتعل بالمار والحركة، انطفأت شمعة مقهى الروضة على مدار عشر سنوات من الحرب، ويتمنى العاملون في هذا المقهى، الذين أمضى بعض منهم عشرات السنين بين مطبخه وساحاته أن تعود الحركة والحياة إلى دمشق، وأن يعود العرب والسياح إلى هذا المقهى، الذي طالما ظل مركزاً لامعاً لاستقبال وجوه الفن والثقافة من شتى الدول.طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App

مشاركة :