البارحة حاولت أن أرسم للمطر غيماً ومداراً، لكن بهاء الغيم والمدار انكسر، حين سرت في قلبي وتسللت إلى مخدعي مسحة حزن قوية باعثة رعشة تشبه تيار الكهرباء، ساعة همدَ جسد الرياض بكل أطرافه نتيجة تبلله بالمطر الكثيف، ليلة عصيبة اختزلت لنا العمل الهش الزائف والرديء، البارحة في الرياض ابتعد عنا البياض بكل ألوانه وأطيافة، وغادرنا الفرح بكل بهائه وتفاصيلة، عندما جاءنا الوحل، وهاجمنا الطين، وغدرَ بنا السيل، وطفحنا بالماء حتى لكأننا متنا، المسألة التي أنا بصددها تتجاوز هذه التيمة البائنة، ألا وهي برنامج تصريف السيول، هذا البرنامج الحاد والفاصل والعتيق تعيده لنا سيناريوهات الليلة الماضية إلى تركيبته اللا محسوسة، إلى الهلامية الساخنة لوجوده، إنه مثل ذلك الذي يشبه الصراط الدقيق الذي لا يمكن السير عليه إلا بعد أن يتشبع الجسد بالتوازن، والتوازن هو الذي يجنِّب الجسد الانزلاق، لكن أجسادنا الآن عرضة لكل مكونات هذا البرنامج اللين الكسيح الذي لم يحمنا والذي لم ينته ليله الطويل بعد، رغم أعوامه المديدة الطويلة والتليدة، أتذكَّر برنامج تصريف السيول وأتذكَّر عندها سلوك أمانة منطقة الرياض وطروحاتها وبرامج تشغيل مشروعاتها وأعمال مقاوليها، واليوم سأجهر لهم بالقول، ولن أكيل لهم تهم التقصير والقصور والكساح والعوج، لأنها واضحة وبائنة ولا تحتاج إلى مزيد إثبات، لكن حقنا في الرياض المدينة أكثر من حق الأمانة نفسها بها، التي صدّرت لنا منذ القدم بيانات عديدة، وأقوالاً عظيمة، وآمالاً عراضاً، خدّرتنا بها طويلاً، ونحن ناصرناها وباركنا مساعيها وصدّقنا كلامها المعسول الذي يشبه الشهد، حتى جاء الأجل المحتوم وانكشف المستور وتحدثت الأرض بأسرارها يوم زلزلها المطر وأخرج أثقالها، وقال سكان الرياض بدهشة وخوف وهلع ما لها؟، ليتبين لنا أن الذي حدث في مدينة الرياض كانت الخسائر المادية والمعنوية الطائلة فيه لا مبرر لها البتة، إن لدي سؤالاً واحداً يُدثّرني بالحسرة ويُزملّني بالأسى ويختزل كل ما قلت وما سأقول لكنه عميق وكبير، أين هو مشروع تصريف السيول - الحقيقي - الجبار - الذي أرهقتنا آلات شركات - الأمانة - الكبيرة والصغيرة منها حفراً ودهلاً وردماً منذ زمن طويل وممل؟.. هل المطر النازل البارحة مدة - ساعتين فقط - أخفى اسمه وكيانه ووجوده حتى صار أقرب للعدمية والوجود؟.. يا أمانة مدينة الرياض هل لي من جواب سريع مقنع وشافٍ؟.. إنيانتظاره ومعي خمسة ملايين نسمة ما زالوا مصابين بالدهشة والخوف والهلع.
مشاركة :