الساحة الثقافية في موريتانيا ولاّدة للشعراء، تتجاور فيها أجيال كثيرة، ويقبل فيها الشباب بشكل لافت على امتهان حرفة القريض، لكنها رغم اتساع رقعة الممارسة الشعرية فيها تفتقر إلى التنظيم والإطار الذي يحتضنها ويوجهها، ويأخذ بأيدي هذا العدد الكبير من الشباب إلى طريق الإبداع الحقيقي، وتتقاعس فيها المؤسسات المعنية عن أداء الدور المنوط بها تجاه الشعراء، ولولا النشاط الذي يقوم به اتحاد الأدباء الموريتانيين - على ضعفه - لكانت ساحة راكدة تماماً، واليوم مع إعلان دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة عن فتح بيت الشعر في نواكشوط، تنفيذاً لتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، فإن الأنظار تتجه إلى هذا المنبر الجديد والآمال تعقد عليه بأنه سيسد تلك الثغرة الكبرى في الساحة الثقافية الموريتانية، والتي ظلت تشكل عائقاً كبيراً للإبداع الموريتاني يمنعه من إيصال أسماء شعرية موريتانية كبيرة إلى الساحة العربية، وعن أن يوجد منافسة شعرية تقود لإبداع شعري يلفت انتباه القارئ العربي إلى هذه الساحة. لا شك أن وضع موريتانيا في مقدمة برنامج بيوت الشعر العربية الذي تنفذه الدائرة يشير إلى وعي المسؤولين عنه بالموقع الشعري لموريتانيا، التي ظلت لقرون حاضنة شعرية كبيرة، وحافظ شعراؤها على صفاء البيان الشعري العربي في فترات انحطاطه في مناطق أخرى من الوطن العربي، كذلك تدل هذه البادرة على وعي بحاجة مبدعي موريتانيا الماسة إلى إطار يقدمون من خلاله أشعارهم ويُسمعون بواسطته أصواتهم، ويتفاعلون فيه لكي يخرجوا أجمل ما عندهم، وهو الدور الذي سيقوم به بيت الشعر في نواكشوط حسب برنامج الأهداف التي أعلن عنها، والتي تشمل تنظيم الأمسيات الشعرية والملتقيات، وتسهيل سبل النشر وعدة أشكال من الدعم للشعراء. المعروف عن الساحة الموريتانية احتفاؤها بالأنشطة الثقافية، وحرص الشعراء على التواجد في الأمسيات الشعرية، ووجود جمهور محب للكلمة الموقّعة الآسرة، وهذا سوف يشكل سنداً كبيراً لهذا المولود الجديد، فيتوقع أن يلتف حوله الشعراء، ويدعموا جهوده من أجل إحداث حراك أدبي حقيقي، وبيت الشعر في نواكشوط قادر على أداء هذا الدور لأنه ليس طرفاً شعرياً أو ثقافياً، وليس منتمياً لأي جيل ولا مدرسة ولا تجمع شعري، فوجوده كمؤسسة شعرية محايدة لها أهداف مجردة عن أي غايات خاصة سوى غاية النهضة بالشعر التي رسمها له صاحب السمو حاكم الشارقة في خطاب إعلانه عن مشروع إنشاء بيوت الشعر العربية، وجوده بهذه الصفة الحيادية والأهداف السامية يضمن له ذلك الدعم والالتفاف الذي لا غنى لأية مؤسسة أو منبر ثقافي عنه. هنيئاً لشعرائنا ببيتهم الجديد، وهنيئاً للشارقة بهذا الإنجاز الذي يضاف إلى إنجازاتها العربية الكثيرة والكبيرة التي لم تكن موريتانيا غائبة عنها، وأملنا أن تتواصل مسيرة الإنجاز، ويكتمل عقد بيوت الشعر العربية، وتتحقق بذلك نهضة إبداعية كبرى. Dah_tah@yahoo.fr
مشاركة :