ربما استحقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن نرفع لها القبعات احتراماً لما تظهره من تعاطف مع اللاجئين السوريين الفارين من هول الموت في بلدهم، الذي تضافرت عليه قوى الشر من داخله ومن خارجه، فلم يجدوا مفراً سوى المخاطرة بحياتهم باحثين عن أرض آمنة يحطون فيها الرحال. نقول ذلك وفي الذهن إن ميركل تواجه معارضة من بعض القوى السياسية الألمانية لنهجها في فتح أبواب الهجرة والاستيعاب للمهاجرين، وتتصدى لمزاج عنصري كاره للأجانب. لكن ميركل في ردها على معارضيها، لا تكتفي بالإشارة إلى البعد الإنساني في مأساة اللاجئين، وسط لا مبالاة واسعة تظهرها أغلبية الدول الأوروبية، وإنما تتحدث بوضوح عن حاجة ألمانيا لطاقات المهاجرين كأيد عاملة، بوسع اقتصاد بلدها الضخم استيعابها، فلا يبدو الأمر مجرد تعاطف إنساني، وإنما حاجة اقتصادية لألمانيا أيضاً. لا تُظهر أوروبا وفاءها للمعاهدات التي وضعتها هي نفسها ووقعت عليها في التعامل الإنساني مع ظاهرة اللاجئين الذين ما كانوا سيوافقون على أن يُقتلعوا من أراضيهم، ليتشردوا في بلاد الدنيا بحثاً عن مأوى لولا المحن التي حلت على أوطانهم، فلم يجدوا سبيلاً لا لمجرد البقاء فيها، وإنما حتى مجرد الحياة نفسها. كأن هذه المعاهدات تُفعل فقط بما يخدم مصالح البلدان الأوروبية وحاجاتها، ويجري تجاهلها حين يتصل الأمر بمعاناة إنسانية حقيقية كتلك التي يواجهها السوريون والعراقيون والليبيون وسواهم من أهالي البلاد المبتلاة. الموضوع ليس هنا فقط. إنه في موضع آخر أكثر إيلاماً، فبعض البلدان التي تتمنع اليوم عن استقبال الفارين من الموت، والمكرهين على المخاطرة بحياتهم في عرض البحر، ويقيم بعضها سياجاً في وجوههم، ضالعة في إيصال البلدان التي يفر منها هؤلاء إلى المآلات التي بلغتها. لنأخذ ليبيا مثلاً، صاحبة أطول حدود بحرية يهرب عبرها اللاجئون نحو ضفة المتوسط الأخرى، ألم يكن الناتو لاعباً رئيسياً، لا بل الرئيس، في دفعها نحو الفوضى وبحر الدماء، حين أسقط بالقوة حكم معمر القذافي، من دون أن تكون هناك رؤية لمستقبل البلد بعده، إلا إذا كانت الفوضى الراهنة، بكل تداعياتها، هي هذه الرؤية، وتلك مصيبة أعظم؟ ما يصح على ليبيا يصح، بأشكال مختلفة، على العراق وسوريا وغيرهما، فالدول الغربية النافذة شريكة في صنع مآسي هذه الدول، ويبدو التداعي لاستيعاب المهاجرين بينةً على أن المزيد من الدمار ينتظر هذه البلدان. madanbahrain@gmail.com
مشاركة :