يقول جبران خليل جبران: «إذا كنت لا ترى غير ما يكشف عنه الضوء، ولا تسمع غير ما يعلن عنه الصوت، فأنت في الحق لا تبصر ولا تسمع». يجــول في خاطر الشركات العالمية اليوم، وبعض الحكومات، ونفر غير قليل من رجال الأعمال حول العالم، حلم الحصول على جزء من كعكة إعادة الإعمار في... أين؟ العراق؟ سورية؟ ليبيا؟ اليمن؟ ربما يفكرون في بناء الشوارع والأبراج والمطارات والجسور وغيرها، لكن من سيعيد بناء الإنسان هناك؟ ستعوض الشركات والدول بعض البلدان العربية عما فقدتــه مـــن الأسمنت، والأسفلت، والزجاج، والأنابيب والأسلاك الكهـــربائية، وأنظمة الإدارة والتحكم. ولكــن مـــن سيعـــوض كثيراً مــــن البلــــدان العربية فاقــــدها الإنساني، تفريغها المنظم والمقنن من النخب العلمية والأدبيــــة وقادة الفكر الإنساني، من الرسامين والنحاتين وبقـــية مــــــن شعراء، مـــن الأطباء والمهندسين والباحثين، بــــل وحتــــى مــــن الضباط والعسكريين الشرفاء والوطنيين؟ قبل الربيع المزعوم، عانت النخب من اضطهادها المرتكز على خوف الحاكم المستبد من الوعي الجمعي، وانتشار ثقافة معرفة حقوق الإنسان المكفولة شرعاً ونظاماً. وأثناء الربيع عانت من عمليات الاغتيال التي قيل عنها إنها منظمة، وها هي اليوم تعاني من اضطرارها للهرب فقط بحياتها. الفراغ الذي تم ويتم في بعض المجتمعات العربية من قوة العلم والإبداع، هو الجزء الأهم من فاقدها الحضاري والإنساني في هذه الحروب والصراعات، بدليل أن من يتنـــافسون أو يتحاربون في بعض المواقع، ليس من بين أي مـــن أطـــرافهم طــرف يرفـــع شعاراً علمياً، أو ثقافياً، أو إنسانياً وطنـــياً يختــص بـــأرض بـــلاده، فكلـــهم تقريباً فئــــات ارتكـــزت على تكريس الجهل والتخلف، وقيادة الإنسان الخـــالي العـــقل مــن الفكر والإبداع إلى موته وموت الآخرين. إن المشهد البربري في بعض أراضينا العربية والذي يشاهده العالم أجمع، وبعض من هذا العالم سعيد به بالتأكيد، إنه لا يلقي بظلاله القاتمة على البلدان المتضررة فقط، والتي نسأل الله لها الانتهاء من هذه الغمة، بل إنه يتجاوز لتكوين صورة ذهنية عالمية عن العرب أجمعين، وعند البعض عن المسلمين أجمعين، خصوصاً إذا ضممنا بعض البلدان الإسلامية، كأفغانستان مثلاً، إلى مشهد التدمير الإنساني الحضاري. من هربوا أو لجأوا إلى العالم الأول، أو من تم استقطابهم أو خطفهم، أو فلنقل من بقي من النخب العربية العلمية والفكرية التي لم تُصفَّ، يظلون هم آمال شعوبهم، لكنهم، أو لكنّ كثيراً منهم لن يفكر في العودة، ولا يمكن أن نلومه كثيراً، وبذلك لن تجد بعض البلدان عند محاولتها البدء في مشاريع إعادة «إعمار الإنسان» من يهندس لها هذه العمارة فكرياً ونفسياً قبل أن ينفذها علمياً وتقنياً. استخلف الله الإنسان في الأرض لعمارتها، وأحسب أن أهم «عمارة» لها هي الفكر الإنساني والإبداع العلمي الذي حضّ عليه الإسلام بمحبة وسلام، وها هم من يزعمون أنهم خلفاء، أول من يدمر الإنسان والإسلام ويشارك بحماسة في «دمار» الأرض.
مشاركة :