لا شك أن دين الإسلام صالحٌ لجميع أوجه الحياة بما فيها العلم والسياسة، والقرآن هو دستوره الأبدي ومنهاج الحياة الذي ارتضاه الله للبشر إلى أن يرث الأرض ومن عليها، هذا القرآن يضم بين جنباته كنوزًا مكنونة لا تنفد مهما غاص العباد لاستخراجها. ولا تقتصر معجزة القرآن على جانب اللغة التي نزل بها من عند الله كتحدٍ للعرب الأقحاح الذين هم أعلم الناس باللغة العربية، بل هو دستورٌ كاملٌ شاملٌ من المولى عز وجل الذي يعلم حقيقة أمرنا وما ينفعنا، كما جاء في محكم آياته ؛ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}. بعض المجتهدين الغيورين على دينهم الراغبين في أن يفتحوا به قلوب العباد، انطلقوا من حقيقة أن الإسلام منهج يلامس احتياجات البشرية كافة، فتكلفوا الربط بينه وبين الظواهر العلمية لإثبات إعجازه وصحته، ولكن فاتهم خطورة تكلف ذلك الأمر وما قد يتبعه من نتاج وخيمة تنعكس سلبا على تصورات الناس تجاه كتاب الله، ويعطي فسحة للمتربصين لقرع طبولهم التضليلية، ما قد يفضي إلى زعزعة قلوب أناس كانوا يعبدون الله على حرف. مشكلة ربط القرآن بالنتائج والاكتشافات العلمية التي قد تكون أحيانا مجرد نظريات لا تسلم من النقد والتغير، طامة كبرى، قد ينتج عنه زعزعة الثقة بالموروث الإسلامي في نفوس البعض، وكم من ظواهر علمية اكتشفها العلماء جازمين بصحتها، ثم هدمت هذه القناعات بعد أن تبدت لهم حقائق كانت غائبة عنهم. الله عز وجل في علاه قد ذكر من النفائس ما إن تمسكنا بها وبحثنا في مكنونها لوجدنا من الخيرات التي قد تجعل الإنسان فعلياً مستخلفًا في الأرض، استخلافاً يليق بتكوينه الذي خلقه الله عليه. ومن المفارقات المحزنة في حقيقة واقعها استهزاء بعض من حُسبوا على علماء الطبيعة من أبناء العقيدة، برجال دين يفتون من واقعِ فهمهم اللغوي، الذي قد يكون واقعاً وصحيحاً، رغم مخالفته للاكتشافات والتقديرات الغربية القاصرة في حدود الفكر البشري. فقد لا يختلف رأي اثنين على ما ذكرت أن انطلاق البحث والاكتشاف من المدلول القرآني لا البشري هو الأفضل، حتى إن وصل بها الحال في انهيارها عزت على سوء تقدير فهم البشر في منحاه الحقيقي ودلائله التي تتوقف على الفهم النسبي للإنسان، ومدى تمكنه من اللغة العربية التي هي منبت اللغات الحية وتفرعها. خلاصة القول أن القرآن لا يُستدل به ولا يُستدل عليه، وليس الإسلام بحاجة إلى التعسف والتكلف في ربطه بكل حقيقة أو ظاهرة علمية.
مشاركة :