مازالت هناك العديد من المحاذير التى تكبل الكثيرين للخوض في تناول السينما لقصص الأنبياء؛ رغم أن السينما قدمت المئات من الافلام عنهم؛ والعالم بأجمعه شاهدها؛ وحتى توضع النقط فوق الحروف في تلك القضية الشائكة تقدم الكاتبة حنان أبو الضياء شبه دراسة بين العمل الفنى المقدم سينمائيا؛ ومصادره من القرآن والإنجيل والتوراة؛ وما تضمنه من إسرائيليات وشطحات فنية في كتابها (المسكوت عنه في سينما الأنبياء) الصادر عن دار إنسان للطباعة والنشر.ويؤكد الكتاب أن في سينما الأنبياء نحن بين فكى "كماشة " التكفير والتضليل؛ فبمجرد التفكير في تقديم عمل درامى عن أحد الأنبياء تشحذ الأقلام؛ وتتعالى الحناجر منددة بحرمة ظهور الأنبياء على الشاشة؛ على الجانب الآخر هناك المئات من الأفلام العالمية التى أُنتجت؛ وفى الطريق الآلاف غيرها عن الأنبياء برؤية صهيونية؛ تلعب فيها السياسة والأهواء الشخصية دورًا كبيرًا؛ فنرى أبو البشرية الثانى نوح؛ سكيرًا، وداود الأواب؛ زانيًا؛ وسليمان الحكيم تسيطر على عقله امرأة فيسقط في الهوى؛ وموسى كليم الله بذيئًا يتعدى على الله بالقول؛ وقائمة التجاوزات طويلة؛ ونحن نتعامل مع الأمر برمته بدفن رؤوسنا في الرمال؛ مفضلين مبدأ الرفض من البداية لراحة العقول؛ فنسقط أسرى الإسرائيليات من الحكايات عن الأنبياء المنتشرة للأسف؛ ليس فقط في حكايات العوام والسيناريوهات العالمية؛ ولكن ضمن نسيج بعض الكتب التراثية الإسلامية.إننا في حاجة إلى ثورة في الطرح الفنى؛ قوامها المحافظة على قدسية الأنبياء ومكانتهم في وجداننا، وعمادها الإبهار الإبداعى المتضافر مع الامكانيات المادية والفنية، لتكون المحصلة أعمالًا تقرب هؤلاء الأنبياء للعوام. ولا أعرف لماذا لا يستثنى فقط من التشخيص الأنبياء أولي العزم ويتم الاستعانة بهالة ضوئية للتعبير عنهم؛ أما باقى الأنبياء فلا مانع من ظهورهم؛ ولنا في دراما يوسف الصديق نموذجًا يحتذى؛ فتشخيص يوسف كان سببًا في معرفة الكثيرين له؛ ولأنبياء آخرين.وفى عالم السينما العالمية كل شىء قابل للنقاش والجدل. وهناك دائمًا مساحة من الاعتقادات الشخصية تسيطر على المبدعين عند الاقتراب من قصص الأنبياء؛ وفى أحيانًا أخرى تسير تلك الأعمال على هدى قصص الأنبياء في القرآن الكريم. أو التوراة والإنجيل... ولكن السؤال ما الذي يحفز السينما العالمية على إنتاج أفلام تتمحور حول الأنبياء في العهد القديم من أمثال نوح وموسى وغيرهما؟ بشكل يصل إلى حد الظاهرة؛ التى انطلقت مع بدايات السينما في أواخر القرن التاسع عشر، وصولا إلى اليوم، ولم تفقد مرة وهجها؛ رغم أن الوسائل التقنية بين هذه الأفلام تطورت مع مرور الوقت، وهذا طبيعي، إلا أن القاسم المشترك بينها هو ضخامة الإنتاج، وتجسيد نجوم عالميين شخصيات الأنبياء من بينهم: شارلتون هيوستون وراسل كرو وغيرهما..لا شك في أن هذه الأفلام تستقطب جمهورًا كبيرًا، باعتبار أن حبكة القصص في الكتاب المقدس ممتعة وثمة تآلفًا مع أبطالها، وتتمحور الروايات حول الخير والشر؛ فضلًا عن أنها تزخر برسائل إنسانية ومادة درامية تحمل قيمًا فنية… حتى إن بعضها يعتبر من كلاسيكيات السينما العالمية ونال جوائز أوسكار؛ وحققت حتى الآن أرباحًا كثيرة؛ ورغم أنه بين الحين والآخر تنال تلك الأعمال قدرًا كبيرًا من الهجوم والرفض من رجال الدين في الديانات الثلاثة؛ إلا أن هذا لم يمنع هوليود من التحضير لأعمال جديدة، وفى العالم الإسلامى رفعت إيران راية إنتاج أفلام الأنبياء بالرؤية الإسلامية من منطلق أنها قصص ذُكرت في القرآن الكريم؛ وبالتالى لم تأت للتسلية والتلهي، وإنما جاءت عظة وعبرة لأولي الألباب، وهم يرون أن إنتاج تلك الأعمال تثير في النفس التأمل والتفكر في سنن الحياة وقواعد الاجتماع البشري وسيرة الناس عبر الزمان والمكان.وإن كان ربنا، تبارك وتعالى، أنعم علينا بنعمة قصص طائفة من حكايات الأنبياء وأقوامهم فإنه يلفت النظر إلى أن المهم في تاريخ هؤلاء العظماء الانتباه إلى العظة والعبرة منها. إذًا علينا إنتاج الأفلام؛ وخاصة إذا كانت ذات منهج علمي بديع في عرض هذا القصص القرآني، ومبتعدة عن خرافات الإسرائيليات وخزعبلات القصَّاص وأكاذيب بعض المؤرخين...وتقول المؤلفة: إننى في هذا الكتاب أحاول بمجهودى المتواضع الاقتراب من التناول الدرامى لقصص الأنبياء والمنهل الذى أخذ ت منه، وبقدر ما هالنى هذا التطاول على الأنبياء في أعمال سينمائية لا تعترف بعصمة الأنبياء عن الكبائر، بمقدار ما أسعدنى وأنا أقترب من طريقهم المضىء بأعمال؛ رغم أنها قليلة ومحدودة الإمكانيات إلا أنها تعتمد على ما قاله الذكر الحكيم؛ أن هذا الكتب يحاول تقديم صورة الأنبياء في الدراما؛ ومدى تطابقها مع ما جاء في الكتب المقدسة (القرآن - الإنجيل - التوراة)؛ وللأسف اكتشفت وجود سيل من الإسرائيليات والشطحات الفنية.وتطرح مابين فصوله فصلا عن نبيي الله إلياس وإدريس عليهما السلام؛ معللة ذلك بأن هنالك من يربط بينهما؛ رغم بعد المسافة الزمنية بين النبيين.. إلى جانب أن إلياس نبي من أنبياء بني إسرائيل، إدريس أحد أنبياء الصائبة السبع.. حيث تؤكد الكاتبة أن كلا النبيين لم ينالا القدر الكافى من الأعمال الدرامية فذكرا فقط في عملين ضعيفا المستوى تكنيكيًا وأداءا !.... وإلياس النبي..هو إلياس بن ياسين، من ولد هارون أخي موسى عليهم السلام. ويعرف في كتب الإسرائيليين باسم إيليا. وقد روى في بعض الكتب المتداولة التى يجب تنقيحها أن الطبري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: إلياس هو إدريس.وتقول ابو الضياء: (هذا ليس حقيقى؛ لأن كليهما ذكرا باسميهما صراحة في القرآن. وإلياس من نسل هارون أخو موسى، بينما إدريس عليه السلام فكان رابع الأنبياء، وعاش في زمن أبينا آدم، إذ أدركه في آخر 308 سنة من عمر آدم).أما فيلم (The Bible In The Beginning 1966) كما في التوراة حددت الجنة التي كان فيها آدم بأنهاعلى الأرض وأنها جنة عدن شرقًا، وأنه كانت تجري خلالها أربعة أنهر، منها الفرات وجيحون و"هو المحيط بجميع أرض كوش " ولعله يقصد به نهر النيل.ولكن القرآن لم يذكر شيئًا من ذلك وأن ورد في الأثر أن النيل والفرات من أنهار الجنة. كذلك الفيلم يؤكد على ما قالته التوراة من أن حواء خُلقت من ضلع آدم عندما كان نائمًا، أما القرآن فيكتفي فقط بالقول أنها خُلقت منه، دون تحديد لموضع جسد آدم الذي خُلِقت منه: "وخلق منها زوجها" - إلا أنه ورد في الحديث الشريف أن حواء خُلقت من ضلع آدم... يحدثنا القرآن، بأن الشيطان هو الذي أغوى آدم وحواء بأن يأكلا من الشجرة، ولكن الفيلم الذى يسير على نهج التوراة فإن الحية هي التي أغوت حواء وحواء هي التي أغوت آدم بدورها، للأكل من الشجرة!يتفق الفيلم مع القرآن والتوراة إلى حدٍ ما في رمزية الشجرة التي منع آدم وزوجه الأكل منها. التوراة تقول إنها شجرة الحياة وشجرة معرفة الخير والشر. وتأتي الإشارة غير المباشرة في القرآن بأنها شجرة الخلود والملك، ويأتي هذا الوصف منسوبٍا للشيطان: "فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلي" - طه 120، إلا أن الكتابين يتفقان تمام الاتفاق حول النتائج التي أعقبت الأكل من الشجرة. ومن ذلك أن آدم وحواء لم يدركا أنهما كانا عريانين، منذ أن خُلِقا، ولم يعرفا عورتهما، إلا بعد أن أكلا من الشجر.
مشاركة :