أنطوان حداد لـ «الراي»: الحِراك فجّره مزيج غير مسبوق من الفساد والتقصير | خارجيات

  • 9/4/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

اكد أمين سر حركة «التجدد الديموقراطي» الدكتور أنطوان حداد ان الحِراك الذي شهدته بيروت في الآونة الأخيرة فجّره مزيج غير مسبوق من الفساد والتقصير من جانب الطبقة السياسية في لبنان. وانتقد حداد طاولة الحوار التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري، قائلا ان انتخاب رئيس جديد لا يحتاج إلى طاولة حوار.وفي ما يأتي نص الحديث: • هل التحرك الشبابي الاحتجاجي مدبّر ويجري بتحريض من الخارج كما أوحى وزير الداخلية نهاد المشنوق؟ ـ لا أعتقد ذلك، ولا أرجح أبداً هذا الأمر. ولا أعرف الأسباب او الدوافع التي دعت الوزير المشنوق لقول ذلك، ولكن على مَن يطلق هكذا اتهام أن يقدّم الأدلة. وبحدود معرفتي بالشباب، وخصوصاً النواة المحرّكة للتحرك، اي مجموعة «طلعت ريحتكم»، ورغم أنني لا أعرف غالبيّتهم معرفة وثيقة، لكن ما هو متوافر عنهم وما يُستشفّ من سلوكهم ومن إدارتهم للحراك، لا يوحي إطلاقاً بهذا الأمر. وآسف لأن تكون هناك محاولات لتفسير الحِراك أو إفشاله باعتباره مُحرَّكاً من الخارج. حتى أن البعض يحاول القول إنه مُحرَّك من الداخل، وبنظريات متناقضة أحياناً. ففريق 8 آذار، وخصوصا الصحافة القريبة من «حزب الله»، وجّه اتهامات بأن مَن سمّاهم «قدامى 14 آذار» يقفون وراء هذا الحِراك. وفي المقابل، نرى أن البعض في 14 آذار أو في الحكومة يقولون إن هذا الحراك مدبرٌ من «حزب الله» ليخدم أجندة الأخير. كل هذا الضياع في توجيه الاتهامات يعكس حقيقة واحدة، وهي أن ما من فهم عميق لأسباب هذه الظاهرة البدهية جداً وغير العصية على التحليل. فهذه الظاهرة في رأيي منطلقة من أمرين متلازمين، أولاً هناك درجة من التقصير والفساد والتداخل المريب بين السياسة والأعمال غير مسبوقة في تاريخ لبنان، وخصوصاً في القطاعات التي تؤمّن خدمات عامة. ففي بلد متطوّر نسبياً كلبنان، تجدين أن تغذية الكهرباء لا تتعدى في الصيف بضع ساعات. وفيما يُعدّ لبنان بلد الأمطار والمياه، يعاني اللبنانيون نقصاً حاداً في الماء في منازلهم. وفي وقت يُعتبر لبنان بلد العلم والأبحاث، نرى أن أكوام النفايات باتت تحاصر اللبنانيين داخل منازلهم. كل ما تقدم تختلط فيه المصالح الخاصة والتعهدات والتلزيمات مع المواقع الرسمية. ونادراً ما ترين مرفقاً فيه خدمات إلا وتتدخل فيه شركات ملغومة من قبل أحد أطراف السلطة أو من قبل ناس مشاركين في السلطة. وفوق كل ذلك وما يرتّبه من سمسرات ومصالح غير مشروعة، تبقى هذه الخدمات سيئة جداً وتتدهور يوماً بعد يوم. هذا مزيج غير مسبوق من الفساد والتقصير وانعدام الكفاءة. يُضاف إلى ذلك، أن هناك أزمة انفجرت قبل نحو شهر ونصف هي أزمة النفايات، ولا نعرف حتى اللحظة ما خطة الحكومة لاحتوائها. وأنا أتحدى أي وزير أن يقول لنا ما سيكون عليه الوضع في لبنان بعد شهر من الآن. مفهوم أن هناك أزمة، وقد يكون بعض جوانبها غير مسؤولة عنه الحكومة الحالية، إنما لا نعرف متى بداية نهاية هذا النفق المظلم، فهذا أمر غير مسبوق وغير مقبول. وهذا هو الوقود الحقيقي للتحرك، أما كل ما يقال عن إعلام مأجور وأموال خليجية وسفارات غربية، فكل ذلك يندرج في إطار التحليل السطحي للأزمة. وللأسف الشديد هذا التشخيص المغلوط للداء لا يوصل إطلاقاً إلى العلاج السليم، الذي يبدأ من التشخيص السليم. وأتوقّع أن يستمر هذا الحراك ما دام يتغذى من عجز السلطة عن فهم ما يجري أو حتى عن تقديم قراءة صحيحة له، وبالتالي خطة صحيحة لمعالجة جذوره. • ألم تشكل عملية اقتحام وزارة البيئة «دعسة ناقصة» أو طائشة سترتدّ سلباً على ترك الهيئات المدنية؟ - هذا التساؤل سليم وفي مكانه الصحيح. فهذا أسلوب جديد من الحِراك داخل الحِراك، أي الاحتجاج عن طريق الاعتصام داخل المؤسسات الرسمية. وقد طَرح هذا الأمر بالطبع تساؤلات مقلقة، لا بل أثار مخاوف كبيرة من أن ينحرف عن خطه السلمي. وأعتقد أن كل مَن انتقد هذه الخطوة من هذا الباب، فهو انتقدها بنيّة طيبة وحسنة، لأنه حريص على الحراك وعلى أمن البلد. أما كل مَن انتقد هذه الخطوة وهو كان ليقوم بأسوأ منها لو قُدّر له ذلك، فأنا أعتقد أنه غير محق. ولا شك في أنه يجب درس خطوة من هذا النوع، وأنا شخصياً أثارت حفيظتي، لأنني حريص على أن يبقى هذا الحراك سلمياً. وحتى اللحظة أحار في تصنيفها أكانت حصيلتها إيجابية أم سلبية، لأنها بأدنى الأحوال أثارت قلقاً أو خوفاً لدى المؤيدين للحِراك من إمكان انحرافه. وفي المحصلة، تبيّن لنا أن المعتصمين لم يتعرّضوا بأي سوء للمقر الرسمي الذي اعتصموا فيه، ولم يتعرّضوا أيضاً للوزير المعني رغم مطالبتهم إياه بالاستقالة. وفي المقابل يُشهد للقوى الأمنية، أنها هي أيضاً استفادت من التجارب السابقة، ولم تلجأ الى العنف المفرط بالتعامل مع المحتجين كما في حالات سابقة، بل استخدمت القوة النسبية والمقبولة قانوناً في تفريق المعتصمين. وتبقى الملاحظة أن جزءاً من الرأي العام قد انفضَّ من حول هذا الحِراك بسبب عملية اقتحام الوزارة، والأيام المقبلة ستخبرنا إذا كان الحراك قد أصيب بضربة قوية أم لا جراء هذا الأمر. • ماذا عن المطالبة باستقالة الوزير محمد المشنوق، ألم تكن أشبه بالانتقام من واحد من ضحايا الطبقة السياسية؟ ـ أعتقد أن الأمر يتعدى حدود الانتقام الشخصي، ولا أعتقد أن المتظاهرين بإصرارهم على استقالته يريدون التعرّض شخصياً له. هو طبعاً يتحمل جزءاً من المسؤولية وليس المسؤولية كاملة، إلا أنني أعتقد أن إصرارهم على استقالته له صلة بالمستقبل أكثر مما له صلة بالماضي. أي أنهم يريدون أن يأخذوا إقراراً ضمنياً من السلطة بأن كل مَن يفشل في إدارة ملف عليه أن يتنحى، وهذه رسالة إلى الوزير الذي سيخلف لمشنوق في تولي هذا الملف. • ثمة مآخذ على الحراك المدني الذي يفسح المجال أمام رموز من خارج سياقه الشبابي كالوزير السابق شربل نحاس وسواه. هل أنتم من هذا الرأي؟ ـ بمعزل عن الأسماء، في رأيي أن أفضل خدمة يمكن أن يسديها السياسيون وخصوصا المسؤولين، الحاليين او السابقين، لهذا الحِراك، هي بمساعدته على أن يفرز قيادته بنفسه وليس أن تُفرض عليه قيادة من خارج الشباب الذين أطلقوا المبادرة، ولا ان نُغرِقه بحمولة تجاربنا السياسية او بأثقال طموحاتنا الشخصية، مهما كانت هذه الطموحات مشروعة. وأعتقد ان بعض السياسيين ممن برزت وجوههم في المقاعد الأمامية لهذا الحِراك استوعبوا هذه الضرورة، ربما استجابةً لرغبة الناشطين الشباب، وتراجعوا الى المقاعد الخلفية. • التظاهر في مواجهة طاولة الحوار في 9 سبتمبر الجاري ألا يشكل اختباراً غير متكافئ وفي غير محله بالنسبة إلى هيئات المجتمع المدني؟ ـ أنا لا أملك وصفة كاملة لكيفية تعامل شباب الحِراك مع طاولة الحوار. للأسف الشديد هذان مساران ما زالا متوازييْن لا يلتقيان. فطاولة الحوار تنعقد لحل أزمة أهل السلطة وخلافاتهم ومحاصصاتهم وربما أجندات مَن يتبعون لهم في الخارج، وليس لحل الأزمات المعيشية والبنيوية الخانقة التي تعانيها البلاد ويعبّر عنها أهل الحِراك. وهذا أمر محزن لأن المشاكل التي سينكبّ عليها «أهل الحوار» في مجلس النواب هي لحلّ النزاعات في ما بينهم حول تَقاسُم السلطة سواء المتصلة بأجندة انتخاب رئيس للجمهورية بدايةً أو بانتخاب مجلس نيابي أو حتى تفعيل الحكومة، فهم أنفسهم يعطّلون الحكومة التي يتقاسمون حقائبها. وهناك أمر واحد ملموس يمكن ان يشكل بداية للحل ولإعادة تفعيل الحياة الدستورية وتنشيط مؤسسات الحكم والادارة، هو انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وهذا على حد علمي لا يحتاج الى طاولة حوار بل الى تطبيق المادة الدستورية المتعلقة بانتخاب الرئيس. وبالتالي أنا أخشى أننا لن نحصل للأسف الشديد إلا على مَشاهِد حوارية قد يكون لها مفعول تهدئة إنما لا تؤدي إلى حل أزمة البلاد.

مشاركة :