يُقال إن الفريق البطل يجب أن يملك حارس مرمى من نوع خاص، ولأن «الجيل الذهبي» لمنتخب المجر في خمسينيات القرن الماضي، كان فريقاً خارقاً للعادة، لم يكن غريباً أن يحرس مرماه «فهد» نادر، أبهر العالم آنذاك بأداء رشيق وقوي، لم يكن من أصحاب القامات العالية، إذ لم يتجاوز طوله 178 سنتيمتراً، لكن لم يزاحمه أحد في ألعاب الهواء، وإذا كان «العبقري» جوارديولا صنع نوعاً جديداً من حراس المرمى، يجيدون اللعب بالأقدام والمشاركة في بناء الهجمات، وبات الألماني نوير الأبرز في القيام بدور المدافع الأخير من مناطق متقدمة في الملعب بعيداً عن شباكه، فإن اسم «جيولا جروسيكس» المجري يجب أن يبقى خالداً في تاريخ كرة القدم، لأنه جمع بين أفكار «الفيلسوف» وقدرات حارس «الماكينات»، وكان فهداً سبق كل العصور. وُلد جروسيكس في الرابع من فبراير 1926 ورحل عن عالمنا يوم 13 يونيو 2014، ويصنفه الخبراء كأحد أفضل حراس المرمى عبر العصور، بل إنه لم يكن أقل موهبة وبراعة من الأسطوري ليف ياشين في ذلك الوقت، لكن مشاركته في الحرب العالمية الثانية ثم نشاطه الثوري والسياسي، تركا آثارهما على مسيرته الكروية وكذلك شهرته، إلى أن ذاع صيته بعد التتويج في أولمبياد 1952، ثم مباراتين وديتين أمام المنتخب الإنجليزي، فاز خلالهما «الماجيارز» بنتيجتين قياسيتين، 6/3 و7/1، وفي مباراة «السداسية»، أبدع جروسيكس في التصدي لكرات لا تُرد، وخرج من منطقة الجزاء أكثر من مرة، ليقطع تمريرات خطيرة لـ«الأسود الثلاثة»، ليصرخ معلق المباراة وقتها بأن ما يقدمه حارس المجر غير مألوف على الإطلاق، لكنه عبقري. اشتهر جروسيكس بملابسه السوداء، ليُطلق عليه لقب «الفهد الأسمر»، وخاض مع المجر 86 مباراة دولية، وأسهم في بقاء المنتخب الذهبي من دون هزيمة عبر 4 سنوات، بدأت عام 1950 وانتهت بالخسارة الغريبة أمام ألمانيا في نهائي كأس العالم 1954، التي واجهه فيها سوء حظ غير عادي، رغم تقدم المجر بهدفين مبكرين، إلا أن «المانشافت» أدرك التعادل بهدف من خطأ واضح ضد جروسيكس في لعبة هوائية، وقبل النهاية بـ6 دقائق، سجل الألمان هدف الفوز، بعدما انزلقت قدمه بسبب الأرض المبتلة، ليتعرض بعدها إلى مضايقات وتهديدات حكومية، أثرت على ما بقي من مسيرته، لكنها لم تمنع «أسطورته» من البقاء خالدة.
مشاركة :