أبواب السماء مفتوحة دائما للراغبين في التوبة

  • 9/5/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أكد د.لطف الله بن ملا عبدالعظيم خوجة، أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى بمكة، ضيف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أن باب الهداية قريب، وأن باب الإله مفتوح للراغبين في التوبة والفوز بطاعة الله ورضاه. ونصح في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع قنبر الأنصاري بالوكرة، بعدم الإصرار على الذنب، والعزم على التوبه، والإقبال على الطاعة ونصح بسؤال أرباب الطريق إلى الله: كيف سلكوا وساروا، فسارعوا إلى مغفرة من ربهم وجنة عرضها السموات والأرض. وأوصى بالبحث في سير الأولين من المرسلين والشهداء والصالحين الأولياء المقربين، أملا في الخروج من سجن الهوى والطبع وأسر الشيطان الرجيم، والانطلاق في ملكوت الإيمان والقربان. ونبه إلى أن الآخرة هي الأصل، هي دار القرار، والدنيا هي الاستثناء، وهي دار العبور والمرور، فكل من غبر يقال عنهم: قد كانوا يوما هنا، ثم مروا من هنا، ثم غدوا خبرا وأثرا بعد عين. وأنت غدا مثلهم بلا شك ولا ريب. وقال: لو أن الإنسان تأمل في المآل، فطال فيه فكره، ومضى فيه همه، لفتحت عين قلبه على أمر لا تراه عين رأسه، فرأى دنيا صغيرة تضيق عن سَم الخِياط، وأخرى فسيحة ليس لها حد. وسيرى الدنيا كلها بما فيها لا تزيد على زمن ساعة، ثم الآخرة بعدها عالم غيبي مجهول أكثر ما فيه، معلوم ما فيه من نعيم أو عذاب مقيم. وسيدرك يقينا ويفهم معنى قوله: "وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" . سلعة خادعة وأوضح د .لطف الله خوجة أن الدنيا متاع وسلعة خادعة، واستطرد قائلا: أي خداع أكثر من إيهامها أنها باقية وهي فانية، وأنها جميلة، مع أن القبح فيها لا يخفى؟. وهي كذلك فتنة طاغية، كامرأة فاتنة، تراها من بعيد فكأنها الملاك، فإذا قربت ازددت بها لوعة وعشقا، فإذا اتصلت بها تقطعت بك لذات الوصال، فإذا ما ألفتها فتحت عينيك على قبح عميت عنه سلفا، فإذا بالفاتن فاتن المظهر، وفي المخبر من المعايب ما أنت به الآن خبير. وأشار خطيب جامع قنبر الأنصاري إلى أن أرباب الطريق إلى الله تعالى فتحت بصائرهم على معايب الدنيا، فلأجله تقللوا منها، وكفوا عن لحاقها، واكتفوا باليسير لئلا يعطلهم عن المسير، ولم يغتروا بالزخرف، وأما عباد الدنيا فبصائرهم في عمى، وأعينهم عليها غشاوة، كما قال الله عنهم: "أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون" . وذكر أن الإنسان إذا علم حقيقة الدنيا علما، وفهمها وأدركها يقينا، فعليه أن يفهم أنه لا يهلك إنسان بسوء عمله، إلا إذا كان على عمل سيء، فقد آمن فرعون، فقال لما أخذه الغرق: "آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين" ونبه على أن من لم يقر في الدنيا بضلاله عن السبيل، فإنه مقر في الآخرة: "وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير". وأوضح أنه لا يؤخذ أحد من العباد إلى العذاب والعقاب غرة، كأنه لا يدري ما كان منه، فالله تعالى لايعاقب إلا من علم وأدرك، فأرسل الرسل لذلك، وقال: "رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" . عدل الله ودعا د .لطف الله خوجة للاطمئنان إلى عدل الله تعالى، بل ليثق بفضله، فإنما يأتيه العذاب والعقاب من قبل نفسه لا من قبل الله تعالى، فما من ضال إلا وقد علم في نفسه أنه متبع لهواه، قال الله تعالى: "قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" . وذكر أن حجة الله تعالى قائمة على الناس، بما فطرهم عليه من معرفة الحق، وبما أقام لهم من شواهد وآيات بينات في الآفاق وفي أنفسهم، وبما أرسل إليهم من رسل، يبلغون عنه خبره وأمره، فمن لم يعلم بالرسل، فهو يرى الآيات، ومن عمي عن الآيات، ففطرته تناديه بالحق أين يكون؟ . وقال إنه مع هذا العلم، وجب على الإنسان أن يسترشد ويطلب الطريق إلى الله، ويجتنب القواطع والعوائق التي تمنعه من الانطلاق في السير في طريق الأبرار، وتنحرف إلى طريق الفجار، فأي شيء به ينال هذا الحظ؟: "وما يُلقاها إلا الذين صبروا وما يُلقاها إلا ذو حظ عظيم" . طريق الهدى ولفت د .لطف الله خوجة إلى أن كثيرا من الناس ودوا لو أنهم سلكوا طريق الهدى، غير أنهم عاجزون لا يعرفون، يرونه بعيدا شاقا وعرا؛ ذلك لأنهم لايولون الآخرة من الفكر والتدبر عشر معشار ما يولونه الدنيا، ذلك أنهم ابتغوا فيما آتاهم الله الدنيا، ونسوا نصيبهم من الآخرة، وإنما الطريق سهل معبد، لو عرفوا سره الذي عرفه السابقون الأولون، فسلكوه عن رضا وسرور. ونبه إلى أنه متى ما ظن الإنسان، أنه بحوله وقوته يسلك الطريق، فقد ارتد عنه، ليسلك عكسه، والعاكس كيف كان له أن يصل إلى بغيته، إلا أن يرجع فيعود في الاتجاه الصحيح؟. وأكد خطيب جامع قنبر الأنصاري أنه مهما أوتي الإنسان من عقل وفهم، فالعقل كما أنه يهدي، فكذلك قد يضل، فيخون كما تخون الجوارح، ويسيء كما يسيء البصر والسمع واللسان، ويعتدي كعدوان اليدين والرجلين، فكم من الأذكياء فسدوا وضلوا وأضلوا بعقولهم، فالعقل لا أمان له، إنما أمانه إذا لجم - بعد العلم - بلجام الشريعة والخوف من الله تعالى، أو فما أسهل تزيينه السوء: "أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون" . وأكد د .لطف الله خوجة أن العقل لا ثقة به بإطلاق، بل فيه الثقة إذا لم يخالف الوحي، فما على الإنسان إذا أراد هداية إيمانا وعملا صالحا يرتاده ويعتاده، إلا أن يعلن أنه بريء من حوله وقوته، وأن الحول والقوة لله تعالى وحده، فيردد على الدوام: (لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم). وهي كنز من كنوز الجنة، كما نطق بذلك المقام النبوي. ونصح كل مسلم بأن يسأل الله تعالى على الدوام أن يثبته على الإيمان، ويصرف قلبه إليه، فيقول: (يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على طاعتك). ويقول: (يا مصرف القلوب، صرّف قلبي على طاعتك) . كما نصح بأن يدعو المسلم ربه بأن يحببه إليه، ويحبب الإيمان إليه، ويبغض إليه الكفر والفسوق والعصيان، واستدل بقول الله عز وجل : "واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم" . حب العمل وأشار إلى دعاءً كان يلتزمه النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو أصحابه لالتزامه بعد الصلوات، وهو: (اللهم إني أسألك حبك، وحبك من يحبك، وحب العمل الذي يقربني من حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من: نفسي، وأهلي، ومالي، وولدي، ومن الماء البارد على الظمأ). وشدد على أن الأمركله بيد الله تعالى، فلو أحسن العبد التضرع إلى الله، وأخلص له الدعاء، فإنه سبحانه إذا تقبله ورضي عنه، هدى قلبه، فكانت الطاعة بعدئذ أحب إلى نفسه من الماء البارد على الظمأ، ومن معشوقة جميلة، والمعصية أثقل على نفسه من الجلوس إلى جنب جيفة، فلا تعجب من مسارعة أولياء الله تعالى في رضاه، وإحجامهم عن سخطه، فإنهم لو أرادوا العكس ما قدروا على ذلك، وما جاوبتهم نفوسهم لضلالة، صارت العبادة فيهم طبعا وجبلة، والمعصية أذى كالأذى الخارج من البطن والبدن، تلك هي الهداية العظمى. وختم د.لطف الله خوجة خطبته بالتأكيد على أن المريد سلوك الطريق إلى الله، ما عليه إلا الصدق في التعلق بالمولى، والرضا بتدبيره وقضائه له، والبراءة من كل حوله وقوته البشرية، فما أسهل هذا الطريق لمن طلبه راغبا.

مشاركة :