العنيزان.. وتفكيك «رواية القرصان» (1-2)

  • 9/5/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

< عندما ظهرت رواية القرصان لمؤلفها الكاتب القطري عبدالعزيز آل محمود، لاقت قبولاً كبيراً في الأوساط الإعلامية والأدبية، ولعل مرد ذلك كون الكاتب رئيس تحرير سابق لصحف قطرية عدة. هذا الترحيب لم يمنع من ظهور أقلام نقدية خليجية متعددة للرواية، إلا أن ما استوقفني حقاً هو ما كتبه الأستاذ علي العنيزان، إذ جمع بين الرصانة والهدوء والدقة والمنطق في مناقشة الرواية. علي العنيزان (صديق أفتخر بأنني أحد تلاميذه)، وهو المحاسب العريق والناشط الوطني المعروف، تصدى لهذه المهمة بحكم أن الرواية تناولت في جزء منها أحداث حصار الرس من إبراهيم باشا، وكون العنيزان من المولعين بالتاريخ، ولاسيما أن الرس مسقط رأسه، فقد أكد أن هناك أخطاء كبيرة وتناقضات أكبر، ولاسيما في الأرقام فيما رواه آل محمود. وقبل أن أُلخص أبرز ما ذكره العنيزان، أنقل لكم من صحيفة «الاتحاد» الإماراتية في 28 أيلول (سبتمبر) 2012 جزءاً من أمسية استضاف بها نادي القصة في اتحاد الكتاب والأدباء في الإمارات بمقر الموقع بالشارقة آل محمود، الذي تحدث فيها عن روايته «القرصان». ذكر أن العمل تجميع لوقائع تاريخية مثبتة، ثم صياغته لها في قالب روائي، مع الالتزام بمعيارين، هما: الأمانة في نقل الحقيقة التاريخية، واحترام الشخصيات. أهمية ما ذكره آل محمود أعلاه أنه شدد على الأمانة والدقة في الأحداث التاريخية، ولاسيما أنه انتقد جورجي زيدان بما وصفه بالتصرف كثيراً في الواقعية التاريخية. سأورد النقاط الست التي رصدها العنيزان (بين قوسين) من الرواية، وأرفق تحفظاته مع كل نقطة، متضمنة ما يعتقد العنيزان بأنه يناقض المعايير التي أكد آل محمود أنه التزم بها. الأولى: (أن المدينة سقطت عسكرياً وقتل جميع المقاومين فيها ودخل إليها جيش إبراهيم باشا عنوة، وهذا أمر بعيد عن الصواب ومخالف للواقع). تؤكد المصادر التاريخية التي غطت أحداث تلك الفترة أن عدد القتلى من المقاومين في الرس محدود نسبياً قياساً إلى طول مدة الحصار وضراوة القصف وشراسة معارك الالتحام، وهؤلاء القتلى دفنوا داخل السور في مقبرة الحرب (أو مقبرة الشهداء كما أصبحت تسمى لاحقاً)؛ لأنه لا مجال لدفنهم خارجها أثناء الحصار، والمقبرة صغيرة المساحة ومازالت موجودة ومحاطة بسور. وتكاد تجمع الروايات على أن عدد الذين قتلوا يتراوح بين 50 و 75 شخصاً فقط، وأقل من 100 جريح، ومن ثم لا صحة لما أوردته الرواية من أن جميع المدافعين قد قُتلوا. الثانية: (أما ما يزعمه المؤلف من أن المدينة احتلت بالقوة فالمعروف تاريخياً عكس ذلك)، إذ إنها حوصرت من إبراهيم باشا وجنوده لمدة ثلاثة أشهر ونصف الشهر قطعت خلالها أشجار النخيل في المزارع المحيطة، وحصلت مناوشات ومحاولات اقتحام كثيرة وقصف مركَّز على التحصينات ومعارك التحام مباشر ودفاع باسل من المقاومين، وجرت خلال الحصار مفاوضات متعددة، لكن شروط الباشا للصلح لم تكن مقبولة من الأهالي إلى أن وصل الطرفان إلى مرحلة اضطرتهما إلى التوافق على بنود مقبولة للصلح، وردت في مصادر تاريخيه عدة، ولخصها الدكتور محمد السلمان في كتابه: «الأحوال السياسية في القصيم» بالبنود التالية: (1. رفع الحصار عن الرس. 2. أن يضع أهلها السلاح ويكونوا على الحياد. 3. لا يجوز لجنود إبراهيم وضباطه دخول الرس. 4. عدم إجبار أهل الرس على تقديم شيء من المؤن والميرة للجيش. 5. لا يدفع أهل الرس ضريبة أو غرامة لإبراهيم. 6. إذا تم استيلاء إبراهيم باشا على عنيزة تسلم له الرس، وإذا لم ينجح في ذلك يعتبر القتال متجدداً بين الطرفين). (الكتاب أطروحة منشورة منح المؤلف بموجبها درجة الدكتوراه في التاريخ الحديث مع مرتبة الشرف الأولى الطبعة الأولى 1987-1988) ويشرح الأستاذ أحمد مرسي عباس الظروف التي أحاطت بمفاوضات الصلح قائلاً: (وعلى رغم صلافة إبراهيم فقد كان موقفه يمثل محنة قاسية بسبب الخسائر الجسيمة التي تكبدها وفشله في إخضاع المدينة وافتقاره إلى المؤن، وكان أهالي الرس قد أصابهم التعب والإرهاق بسبب طول الحصار واستمرار المقاومة، وأمام إصرار إبراهيم على استسلام المدينة فقد اتفقوا على إبرام هدنة توقع بعدها شروط تحفظ ماء وجه إبراهيم ولا تصيب الأهالي بأذى، واضطر إبراهيم إلى قبول شروط قاسية جداً تحت ضغط خطورة موقفه وتحت ضغط جنوده) وعدد الشروط نفسها التي سبقت الإشارة إليها. (عباس، أحمد مرسي العسكرية السعودية في مواجهة الإمبراطورية العثمانية ص 128)

مشاركة :