الأمر أحياناً يحتاج إلى المناصحة الفردية إن كانت قضية فردية أو حادث بسيط، ولكن تشتد الحاجة إلى المناصحة العلنية والجماعية إذا تعلق الأمر بأمن وإستقرار المجتمع بإختلاف تلاوينه ومكوناته، فقد أصيبت الكثير من المجتمعات بداء(الفوضى الخلاقة) الذي نثر بالمنطقة من أجل توتير العلاقة بين الحكومات والشعوب، وبين الشعوب ذاتها تحت شعار (الربيع العربي)، وليس من خطر اليوم بحجم الإرهاب الفكري الذي جاء التحذير منه في الكثير من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية(ويل للعرب من شر قد اقترب)، لذا يحتاج الأمر إلى إغلاق كل المنافذ والمعابر التي يمكن أن يلج منها هذا الداء المدمر. لقد أرسل وزير الدخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة في لقائه مع الفعاليات المجتمعية رسالة مناصحة واضحة للمنابر الدينية التي تسلك مسلك التحريض على الآخر، والترويج للكراهية، فالجميع اليوم يشتم من بعض الخطب المنبرية رائحة الإصطفاف الطائفي والتمييز المذهبي، وهو داء أدى إلى تدهور الكثير من المجتمعات وليست العراق وسوريا ولبنان واليمن ببعيدة، فالكلمة من أعلى المنبر الديني لها آثار كبيرة وربما تتجاوز استخدام المدافع والقنابل، فهي تصيب مراكز الأمن في عقول الشباب والناشئة، (ورب كلمة أودت بصاحبها نار جهنم سبعين خريفاً) كما جاء في الحديث الشريف. لقد أشار وزير الداخلية في لقائه إلى أهمية الحفاظ على سلامة المنبر الديني، وتأمينه من أولئك الذين يفتقدون إلى فقه الواقع وما يحيط بالمنطقة من مخاطر، وعدم تجيره بقضايا سياسية وطائفية وذات أجندات خارجية، وهذا الأمر يبصره الجميع بعد أن استغل البعض المنبر الديني للتصفيات الشخصية والحزبية والطائفية، إنها كلمات من على المنبر الديني كافية لإشعال نار العداوة والحقد والبغضاء في المجتمع، بل استعان البعض بحوادث تاريخية قد مضى عليها أكثر من ألف وأربعمائة عام لإسقاطها على واقع اليوم. المتابع للحراك المجتمعي يرى بأن هناك تدخلات سافرة في الشئون الداخلية الهدف منها ليس زعزعة الأمن والإستقرار والنيل من المكتسبات فحسب، ولكنها كذلك تسعى لتغير هوية أبناء المجتمع على المنظور البعيد، فالشباب والناشئة الذين ينخرطون في تلك الأعمال لا يقومون بها إلا بعد أن يتم تغير هويتهم وإنتمائهم وولائهم، فيصبحوا أداة طيعة في أيدي الجماعات الإرهابية لتفجير أنفسهم في المصلين في دور العبادة كما جرى في بيوت الله بالبحرين والمملكة العربية السعودية والكويت. لقد أشار وزير الداخلية الحاجة لتأمين دور العبادة والمنابر الدينية بقوانين وتشريعات، وقد أكد على أن هناك تشريعاً يكافح التمييز والكراهية والطائفي سيقدم إلى مجلس الوزراء لإقراره، وما هذا التشريع إلا بعد أن ظهرت دعاوى الإصطفاف الطائفي على حساب الوطن الجامع، علماً بأن البحرين بتاريخها الطويل منذ البدايات الأولى هي وطن يحتضن شعوب العالم، وجاء التأكيد على هذه القيم والمبادئ في ميثاق العمل الوطني. البحرين لا تعاني من احتقان طائفي، وهذا ما أكد عليه وزير الداخلية، ولكنها تعاني من أسباب التدخل الخارجي في شئونها الداخلية، ولعل المتابع لتصريحات بعض الجماعات الإرهابية التي تم إلقاء القبض عليها يجد أن المحرك الرئيس والداعم الأساسي هي إيران ومن أمامها الحرس الثوري، بل إن أذرعها الطائفية بالمنطقة(العراق وسوريا ولبنان) تسعى لزعزعة أمن واستقرار البحرين وبعض الدول، فالبحرين والكويت في مقدمة الدول الخليجية التي تتعرض لذلك التدخل. لقد تجاوب المجتمع البحريني مع دعوة الاستنكار الوطني للتدخلات الإيرانية، فالجميع وقف مع الوطن حين رفع العرائض والوثائق الداعمة للشرعية السياسية والتمسك بعروبة البحرين وانتمائها، وقد كانت هذه الوقفة أفضل رد وطني على التدخلات الإيرانية، وهذا الموقف المشرف شبيه بوقفة الأباء والأجداد في الحادي عشر من شهر مايو في عام 1970 عندما صوت أهل البحرين لعروبتها وسيادتها، وهي بيعة وطنية صادقة قدمها أبناء هذا الوطن لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة.
مشاركة :