ربما تبدو القيم الديمقراطية والحسابات الأمنية من أهم أولويات الاتحاد الأوروبي، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بالمصالح الاقتصادية فقد تتغير هذه الصورة إلى حد ما.فلطالما انتقد الغرب لا سيما الاتحاد الأوروبي ممارسات حقوق الإنسان في الصين، إلا أن التكتل أعلن مؤخرا عن إبرام اتفاق استثماري واسع النطاق مع بكين، في خطوة يراها البعض جهدا براجماتيا يدفع بمصالح الجانبين، بينما يراها آخرون بادرة تنذر بشق صف جهود الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي وعد بإعادة بناء التحالفات مع الشركاء الأوروبيين.وقد نشر معهد «تشاتام هاوس» ومقره لندن، تقريرا للباحثتين روزا بالفور، مديرة مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، وليزا بوماسي، نائبة مديرة المؤسسة، استعرضتا فيه جوانب ذلك الاتفاق وانعكاساته المحتملة على جهود الإدارة الأمريكية الجديدة.وأشارت الباحثتان إلى أنه بعد انتخاب بايدن لرئاسة الولايات المتحدة، كرر تعهده بالانخراط مع الحلفاء، لا سيما في التعامل مع الصين، بل رفع سقف التوقعات أكثر في خطاب تنصيبه حين وعد بـ«إصلاح تحالفاتنا».وأوضح التقرير أن التناغم في المواقف من كلا جانبي المحيط الأطلسي يبشر على ما يبدو بشهر عسل يضع فيه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة السلام والتعاون في صميم عملهما الجماعي، وسط جائحة فيروس كورونا، والركود الاقتصادي الذي أعقب ذلك.وترى الباحثتان أن هناك شكوكا قليلة في واشنطن والعواصم الأوروبية بشأن الطريق الصعب في المستقبل، وأعاد الطرفان التأكيد على الأرضية المشتركة بشكل قاطع.ومع ذلك، لم يستمر الشعور بالارتياح لعودة الولايات المتحدة الوشيكة إلى الحوار والتعاون على ما يبدو بعد أسابيع فقط من انتخاب بايدن بسبب تحرك غير متوقع من الاتحاد الأوروبي.ويشير التقرير إلى أن ما أثار استياء الكثيرين في الإدارة الأمريكية الجديدة، إعلان الاتحاد الأوروبي بشكل غير متوقع عن اتفاق رفيع المستوى مع الصين، وقبله بأيام فقط، طلب جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي لبايدن «عقد مشاورات مبكرة مع شركائهم الأوروبيين بشأن مخاوف مشتركة بشأن الممارسات الاقتصادية للصين»، لكن دعوته لم تلق اهتماما.لكن الاتفاق الذي تم التفاوض بشأنه على عجل في الأيام الأخيرة لرئاسة ألمانيا للاتحاد الأوروبي، سيواجه معارضة من عدة جهات في أوروبا، فدول أعضاء تعتمد على الصين بدرجات متفاوتة، في حين أن هناك قوى كبيرة حريصة على تحدي التزامات الاتحاد الدقيقة بشأن حقوق الإنسان والعمالة عندما يتعلق الأمر بالصين.وبرر الساسة الأوروبيون الاتفاق مع الصين تحديدا على أساس الحاجة إلى بلورة موقف ومصالح مشتركة، والتغلب على تكتيكات «فرِّق تسد» التي اتبعتها بكين بنجاح في أوروبا ومنح الشركات الأوروبية فرصة أفضل للوصول إلى السوق الصينية.
مشاركة :