حافظت أسعار النفط الخام على مكاسبها السعرية وبقيت حول أعلى مستوى في 13 شهرا بفعل تنامي الاستهلاك جراء موجات الطقس شديد البرودة في الولايات المتحدة وأوروبا، إضافة إلى تعطل مؤقت في الإمدادات من النرويج، ما قلص المعروض النفطي العالمي. كما دعم الأسعار عودة المخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط، إلى جانب عوامل أخرى مستقرة منها انتشار اللقاحات الجديدة ضد فيروس كورونا والتنفيذ الناجح لقيود المعروض النفطي من قبل مجموعة "أوبك+" التي تستعد لمراجعة قراراتها في اجتماع وزاري موسع مطلع الشهر المقبل. وقال لـ"الاقتصادية"، مختصون ومحللون نفطيون "إن انتشار اللقاحات عزز الجوانب المعنوية في سوق النفط، ما قاد إلى مكاسب سعرية متتالية، وذلك بعد أكثر من عام على اندلاع الأزمة، حيث كانت جائحة كورونا ألحقت خسائر واسعة بالطلب على النفط الخام نظرا إلى أهميته لقطاع النقل بسبب تعطل حركة السفر وانخفاض الشحن وتوقف السيارات في جميع أنحاء العالم"، مشيرين إلى انخفاض استهلاك المنتجات البترولية بشكل كبير في عام 2020. وأكد المختصون استمرار تعافي الطلب وارتفاع أسعار النفط منذ بداية هذا العام، حيث يرجع جانب كبير منه إلى اتفاقات "أوبك+" المتتالية لتقييد المعروض النفطي لحث السوق على استعادة التوازن بوتيرة متسارعة. وذكر المختصون أن أحدث تقارير وكالة الطاقة الدولية أكدت أن الهند ستشكل الحصة الأكبر من نمو الطلب على الطاقة من الآن حتى عام 2040 متفوقة على الصين، متوقعين تضاعف استهلاك الطاقة في الهند تقريبا مع توسع ناتجها المحلي الإجمالي إلى ما يقدر بنحو 8.6 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2040. وقال أندرو موريس مدير شركة "بويري" الدولية للاستشارات "إن الشراكة السعودية - الروسية في إدارة سوق النفط الخام تدفع إلى مزيد من المكاسب السعرية بفضل اتفاق المنتجين على ضرورة تفادي عودة تخمة المعروض في الأسواق انتظارا لتعافي الطلب حتى يتحقق التوازن المنشود". ولفت إلى أن اجتماع مجموعة "أوبك+" في بداية آذار (مارس) المقبل سيناقش مستويات الإنتاج لشهر نيسان (أبريل) ويعيد تقييم وضع السوق في ظل المكاسب الأخيرة المتصلة، خاصة بعد تمديد تخفيضات الإنتاج في الشهر الماضي مع السماح للمنتجين الروس بزيادة الإنتاج في شباط (فبراير) وآذار (مارس) بمقدار 65 ألف برميل يوميا، بينما خفضت السعودية طواعية الإنتاج بمقدار مليون برميل يوميا. من جانبه، أوضح روبين نوبل مدير شركة "أوكسيرا" الدولية للاستشارات، أنه لا شك أن الارتفاع غير المسبوق في الأسعار في أسواق النفط سيوجد تباينا وصعوبة في مفاوضات المنتجين خاصة في ظل رغبة عدد منهم في العودة سريعا إلى زيادة الإمدادات النفطية بينما من المرجح أن يتمسك البعض الآخر بسياسات إنتاج تقوم على ضبط النفس وعدم التسرع في زيادة الإمدادات انتظارا لاستقرار السوق بشكل مستدام. واضاف أن "أوبك+" تستند في التعامل مع السوق مع رؤى عميقة ومتأنية وليست عبر استجابات سريعة وانفعالية لتطورات الأسعار"، مشيرا إلى أن "أوبك+" تدرك جيدا في اجتماعها المقبل أن المكاسب السعرية الحالية مستمدة من التوقعات المستقبلية المتفائلة أكثر من الأساسيات الحالية، لكنها تدرك أيضا أن الطلب بالفعل يسير بخطى ثابتة على طريق التعافي. من ناحيته، قال ماركوس كروج كبير محللي شركة "أيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، "إن فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي عادة ما يقود إلى ارتفاع الطلب بسبب تزايد الاستهلاك، وهو ما تسبب في ارتفاع الأسعار نظرا إلى تنامي الطلب مقابل استمرار قيود الإنتاج في مجموعة "أوبك+" وانكماش الإنتاجين الأمريكي والكندي، وأضيف إلى ذلك تعطل مؤقت في إمدادات النرويج بسبب قضايا أجور العمال". وذكر أن قطاعا كبيرا من المنتجين يرى – بعد المكاسب الراهنة – أنه قد حان الوقت لإعادة إمدادات النفط إلى السوق بعد استقرار الأسعار بين 50 إلى 60 دولارا للبرميل، أبرزهم العراق ونيجيريا، وهو ما سيجعل التفاوض بين المنتجين في الاجتماع المقبل ربما يشهد بعض الصعوبة، لكن يمكن القول إن الجميع أقرب إلى التوافق على ضرورة زيادة الإنتاج بينما يبقى التباين محصورا في وتيرة هذه الزيادة، مشيرا إلى ميل "أوبك+" دائما إلى زيادات تدريجية ودقيقة حتى تتجنب السوق وقوع صدمات مفاجئة. بدورها، أكدت مواهي كواسي العضو المنتدب لشركة "أجركرافت" الدولية، أن اجتماع "أوبك+" المقبل سيأخذ في الحسبان احتمال حدوث زيادات غير متوقعة من الدول المعفاة من الاتفاق، ومنها احتمال أن يعود النفط الإيراني إلى السوق، كما يمكن أن تشهد فنزويلا أيضا انتعاشا في الإنتاج بعد تخفيف مرجح في العقوبات الأمريكية. وأشارت إلى أن الشركات الأمريكية لا تفضل أيضا زيادة الإنتاج والاستفادة من الارتفاعات الحالية في سداد المديونيات وتعويض المساهمين، لكن شركات دولية مثل "ريستاد إنرجي" لا تستبعد نهائيا زيادة الإنتاج، وترجح أن تقوم بعض الشركات الأمريكية بزيادة المعروض بنحو 300 ألف برميل يوميا في عام 2021. وفيما يخص الأسعار، حوم النفط أمس قرب أعلى مستوى في 13 شهرا على خلفية طقس بارد مفاجئ تسبب في إغلاق الآبار في تكساس، أكبر ولاية منتجة للخام في الولايات المتحدة، بينما أدت صفقة بشأن الأجور في النرويج إلى تجنب تعطل للإمدادات في أوروبا، ما كبح المكاسب. وتلقت الأسعار الدعم من تفاؤل مدفوع باللقاح المضاد لفيروس كورونا إزاء تعافي الاقتصاد العالمي من جائحة كوفيد - 19. وبحسب "رويترز"، ربحت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 41 سنتا، أو ما يعادل 0.7 في المائة، لتصل إلى 59.88 دولار للبرميل بحلول الساعة 08:36 بتوقيت جرينتش، بعد أن لامست أعلى مستوياتها منذ أوائل كانون الثاني (يناير) 2020. وكانت الأسواق الأمريكية مغلقة أمس الأول بسبب عطلة اتحادية في الولايات المتحدة. ونزل خام برنت سبعة سنتات، أو ما يعادل 0.1 في المائة، إلى 63.23 دولار للبرميل بعد أن بلغ أعلى مستوى منذ كانون الثاني (يناير) 2020 في الجلسة السابقة. وتسبب الطقس البارد في الولايات المتحدة في تعطل آبار ومصافي النفط في تكساس أمس الأول وفرض قيودا على مشغلي خطوط أنابيب الخام والغاز الطبيعي. وتنتج تكساس تقريبا 4.6 مليون برميل من النفط يوميا، وتوجد فيها 31 مصفاة، وهو أكبر عدد في ولاية أمريكية واحدة، ومنها بعض من أكبر المصافي في البلاد، وفقا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. من جانب آخر، ارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 62.60 دولار للبرميل أمس الأول مقابل 60.77 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس "إن سعر السلة التى تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق الارتفاع الـ12 على التوالي، كما أن السلة كسبت نحو ثلاثة دولارات مقابل اليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 59.58 دولار للبرميل".
مشاركة :