صراع أميركي إيراني تركي يهدد استقرار كردستان العراق أربيل (العراق) – أثار الهجوم الصاروخي الذي استهدف مطار أربيل المخاوف بشأن استقرار إقليم كردستان العراق المرشّح، بحسب محللين سياسيين وخبراء أمنيين، ليكون خلال الفترة القادمة مسرحا لصراع ثلاثي أميركي إيراني تركي.ويرصد متابعون للشأن العراقي اهتماما متزايدا من قبل الولايات المتّحدة بترميم علاقاتها مع الإقليم بعد فترة من الفتور والتراجع، قياسا بالعلاقة الوطيدة التي جمعت بين الطرفين منذ ما قبل الغزو الأميركي للعراق سنة 2003.ويُذكّر هؤلاء بأنّ إدارات أميركية سابقة هي من دفعت الإقليم إلى الوضع الذي أصبح فيه أقرب إلى كيان مستقل عن الدولة العراقية، ومختلفا من حيث استقراره وازدهاره الاقتصادي النسبي عن باقي المناطق العراقية، لكنّ الأمر انتهى خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما والسابق دونالد ترامب إلى نوع من الإهمال لشؤون الإقليم تجلّى بوضوح من خلال “خذلان” واشنطن لأربيل في عملية الاستفتاء على استقلال الإقليم الذي أجري في خريف سنة 2017، حيث فوجئ قادته وفي مقدّمتهم رئيسه آنذاك مسعود البارزاني بالبرود التامّ الذي قوبل به الاستفتاء في الولايات المتّحدة التي كان يُنتظر أن تدعم الخطوة بحسب تقديرات هؤلاء القادة.ويُرجع خبراء أمنيون وعسكريون عودة الاهتمام الأميركي بإقليم كردستان إلى كون أراضيه يمكن أن تمثّل موضعا بديلا مثاليا للقوات الأميركية التي تمّ الشروع فعلا في سحبها من أنحاء متفرّقة من العراق تحت ضغط أحزاب سياسية وميليشيات شيعية لها تمثيل كبير في البرلمان العراقي الذي سبق له أن أصدر قرارا ينص على إخراج تلك القوات من البلاد.ويعني تمركز تلك القوات في الإقليم خسارة إيران وأذرعها الحزبية والمسلّحة لمعركة “طرد” الجيش الأميركي من العراق.وعلى هذه الخلفية توجّهت أصابع الاتّهام إلى إيران والميليشيات الشيعية بالوقوف وراء الهجوم الذي استهدف، الإثنين، مطار أربيل الذي يضمّ قاعدة أميركية وخلّف قتيلا وتسعة جرحى أحدهم جندي أميركي، وفق بيانات للتحالف الدولي ضدّ داعش بقيادة الولايات المتّحدة.لكنّ إيران ليست الوحيدة صاحبة المصلحة في إقلاق راحة الوجود العسكري الأميركي في كردستان العراق، إذ أن لتركيا أيضا مصلحة في مقاومة كلّ ما من شأنه أن يمثّل سندا لسلطات الإقليم ويقوّي موقفها، وذلك من منطلق حرص حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الإبقاء على الإقليم ضعيفا ومفتوحا أمام الجيش التركي في عملياته الآخذة في التصاعد والتوسّع باستمرار تحت لافتة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني المتحصّنة في بعض المناطق الوعرة بالإقليم والموجودة أيضا في قضاء سنجار غربي مدينة الموصل بشمال العراق.ولا يقلّ امتعاض تركيا من علاقة أكراد العراق مع الولايات المتّحدة عن توجّسها وغضبها المُعْلنين من الدعم الأميركي لأكراد سوريا، حيث منع تمركز القوات الأميركية في بعض مناطقهم هناك الجيش التركي من استكمال احتلال تلك المناطق وضرب جميع الفصائل الكردية المسلّحة باعتبارها “إرهابية” وذات علاقة بحزب العمّال الكردستاني، وفق توصيف أنقرة.وعلى الرغم من أنّ كلاّ من إيران وتركيا تعتبران متنافستين على النفوذ في المنطقة وتتناقض مصالحهما جذريا في سوريا، فإنّ التقاء مصالح يجمعهما في الموقف من الأكراد والتصدّي لأي مسعى من شأنه أن يقود، ولو بعد حين، لإنشاء دولة قومية لهم في المنطقة ستطالب حتما بأجزاء من الأراضي التركية والإيرانية فضلا عن الأراضي التابعة حاليا لإقليم كردستان العراق.وكان التقاء المصالح التركية الإيرانية في هذا الملف قد تجسّد كأوضح ما يكون في تعاون أنقرة وطهران مع بغداد في التصدّي للاستفتاء المذكور وإفشاله بسلسلة من الإجراءات الصارمة من بينها إغلاق المنافذ الحدودية للإقليم.وينطوي الصراع الثلاثي الأميركي الإيراني التركي على أخطار جسيمة على استقرار إقليم كردستان ويشكّل عامل تهديد إضافيا للوضع الهشّ في عموم العراق. وحذّرت الأمم المتحدة، الثلاثاء، من خروج الوضع عن السيطرة في البلاد بعد الهجوم الصاروخي الذي استهدف القاعدة الجوية التي تؤوي جنودا أميركيين في أربيل.وشجبت ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت في تغريدة ما وصفتها بأنها “أعمال شنيعة ومتهورة”، معتبرة أنها “تشكل “تهديدا خطيرا للاستقرار”. ودعت إلى “ضبط النفس والتعاون الوثيق بين بغداد وأربيل لتقديم الجناة إلى العدالة”.وأثار الهجوم أيضا قلق سكان الإقليم على أمنهم. وقالت ناريمان محمد المقيمة في أربيل إنّ “هذا القصف بالتأكيد أثر علينا وعرّض حياتنا للخطر”. وأضافت “لا أرى أي معنى لكل هذا، نحن بشر أيضا ونريد أن نعيش”.واتّهم الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في الإقليم “مجموعة ضالة خارجة عن القانون متخفية تحت عباءة الحشد الشعبي وبإمكاناته وامتيازاته ولباسه” بتنفيذ الهجوم الصاروخي على مطار أربيل، وفق بيان أورده الموقع الإلكتروني للحزب. وبدأ استهداف منشآت عسكرية ودبلوماسية غربية في العراق منذ خريف العام 2019 بالصواريخ، لكن معظم هذه الهجمات تركّز في العاصمة بغداد.وكانت واشنطن توعّدت في عهد ترامب بأنّه في حال قُتل أيّ أميركي في هجوم صاروخي في العراق فإنّها ستنتقم من طهران التي تتّهمها بدعم الجماعات العراقية المسلّحة التي تستهدف المصالح الأميركية في هذا البلد. لكنّ هدوء الخارجية الأميركية في التعاطي مع عملية القصف ودعوتها لإجراء تحقيق مثّل تحوّلا كبيرا في المقاربة الأميركية لهذا الملف في عهد الرئيس جو بايدن.ومنذ أن أعلن العراق الانتصار على تنظيم داعش في أواخر العام 2017، قلّص التحالف الدولي ضد داعش العديد من قواته في العراق إلى ما دون 3500 عنصر بينهم 2500 جندي أميركي. وتتمركز غالبية القوات الأجنبية حاليا في المجمع العسكري في مطار أربيل، بحسب مصدر في التحالف.
مشاركة :