في إحدى المحطات بانتظار حافلة الباص في مدينة اسطنبول الساحرة، جلست أتأمل وجوه من حولي بمختلف ألوانهم وأجناسهم وأعمارهم وأشكالهم وكذلك أمزجتهم، كان المكان يسوده الضوضاء وتتخلله أصوات تعلو أحيانا وتنخفض أحيانا أخرى، يحدث ذلك كله من خلال تبادل المنتظرين لأحاديث العيون التي لا يقطعها سوى لحظات اقتراب الحافلة من المحطة التالية. من الأمور المثيرة في الموضوع أن الكثير من هؤلاء الغرباء الذين يتبادلون النظرات سينتهي بهم هذا المشهد إلى ما يسمى بسلة المهملات في الذاكرة عند الوصول إلى نقطة النزول من الحافلة، وذلك بنسيان كل ما تم من نظرات وتأملات وقد لا يتذكر منها إلا القبعة أو الرداء أو الحذاء الذي كان يلبسه أحدهم بالرغم من كل تلك الأحاديث الصامتة. شدّني هذا المنظر فوقفت أرصد هذا الخليط من البشر وأستمع إلى قصص الغرباء ولا أفهم ما يقولونه ولكني أتواصل معهم بالنظرات وكأني أقول لهم إن كلا منا يعرف تمامًا ما يريده ولكل أسلوبه وطريقته في الوصول لوجهته وهدفه، وما أريده أنا في لحظتها هو جمع كل الابتسامات التي تعلو الوجوه لتكون بمثابة مصدر متجدّد للثقة بالنفس لمواجهة التحديات. بديهيات.. قارن نفسك بنفسك، لا تحاول مقارنتها بمنافسيك، قم بقياس تطورك أنت خلال كل فترة قصيرة من الزمن، لا تقيس تطورهم بالنسبة لك، ولا تنخدع بذلك، رتب أولوياتك وانطلق لتحقيق نجاحك، لأن لكل شخص ظروفه وإمكاناته ولا علاقة لك به، فربما يكون تقدّمك «خطوة» أفضل من تقدم منافسك بخطوتين.جاسم القلاف