في كتابٍ جديد، طبع بـ«مؤسسة الأيام للنشر»، يتتبع الدكتور صالح قباني، استشاري أمراض الصدر، التطورات التاريخية وانعكاساتها الحضارية على مختلف حضارات الشرق والغرب، متتبعًا «الفراق بين حضارتين»، وهو العنوان الذي حمله الكتاب، حيث يطرح قباني أسئلةً جوهريةً من قبيل: لماذا الفراق؟ ومتى تم؟ وأين؟ وكيف؟ وهل من لقاءٍ آخر؟. أسئلةً تبتعد عن الحالة الإنسانية في تشخيص الفراق البيولوجي، وترتحل إلى الفضاءات الأوسع، المتعلقة بتفاوت التطورات المجتمعية والحضارية بين الشرق والغرب، والتي لطالما أرقت من انشغل بتطبيب الإنسان، ليخرج عن هذه الدائرة، إلى دائرة أكثر اتساعًا في قراءة المجتمع الإنساني، مستعيناً بأدواتٍ معرفية كالفلسفة، والاقتصاد، والاجتماع، والسياسة، والدين، ليضع مقارباته، التي يحاول عبرها الإجابة عن تلك الأسئلة التي استثارته ليكتب كتابه.يؤكد الدكتور قباني بأن كتابه هذا «هو جهد المقل، في محاولةٍ لبحث إشكالية تفاوت معدلات التطور المجتمعي بين الشرق والغرب، إذ طرحت عددًا من الأسئلة على نفسي، فما وجدته أثناء عملي، وترحالي بين قارات العالم ومدنه، أن هناك تفاوتًا بينًا في معدلات التطور المجتمعي بين شعوب العالم المختلفة»، لا يستغربُ قباني هذا التفاوت الطبيعي، «إلا أن ما لفت نظري أن التفاوت في هذا التطور يتضحُ بصورةٍ جلية بين شعوب الشرق المختلفة، ذات الحضارة الشرقية، فيما لا تكاد تلمسهُ بين شعوب الغرب، ذات الحضارة الغربية»، إذاً لماذا تختلف الشعوب الشرقية بشكلٍ جلي أكثر من الغربية؟.للوصول إلى مقاربة لهذا التفاوت، راح الدكتور قباني، وخلال عقدٍ كامل، يبحث في التاريخ الإنساني الذي يصفه بـ «العلم الكامل الشامل، الذي تنضوي تحت أجنحته كل المعارف الإنسانية»، والبحث في جوانبه يتطلب منظومة من الأدوات المعرفية، من الفلسفة، والاجتماع، السياسة، والدين، والاقتصاد، وصولاً لعلم النفس، وغيرها من العلوم، ولهذا يقول قباني «تطلب مني ذلك وقتًا طويلاً، وجهدًا عظيمًا، امتد لعقدٍ من الزمن»، إذ راح يتبحث في مختلف المراحل التاريخية، متقفياً آثار الحضارات التي قامت في الشرق والغرب، منذ بدأ تسجيل التاريخ الإنساني، عائدًا إلى ما قبل ذلك، منذُ تطور الإنسان، وصولاً للتاريخ الكوني.يوصف اشتغال قباني عادةً بـ «علم التاريخ الكبير»، وهو علمٌ تاريخي، يحاول النظر للتاريخ بصورةٍ شمولية، تتفحص مختلف جوانبه، وانعكاساتها على الأشياء والإنسان، لهذا يتتبع قباني في كل مرحلةٍ من مراحل التاريخ، أحداثها، وما وقع فيها، وصولاً للإنعكاسات التي أحدثتها الوقائع على الشرق والغرب، وما نتج عنها من فراقٍ بينهما، كان السبق، ولزمنٍ طويل، من نصيب الحضارة الشرقية، قبل أن يلتحق الغرب، ويتصدر متخطيًا في زمنٍ قصيرٍ نسبياً الحضارة الشرقية. ولفهم ذلك يبحث قباني في الأسباب، والمراحل، وصولاً إلى الفراق الذي تعيشه الحضارة اليوم، والذي تتصدر فيه الحضارة الغربية المشهد الكلي. وقد أراد قباني من كتابه أن «ينبه النخب المثقفة في الشرق، لما حدث من فراقٍ، وزمن ذلك الفراق، وأسبابه، وغيرها من الأمور التي أرى ضرورة الانتباه إليها، للعمل على تقريب المسافة بين هاتين الحضارتين، من خلال تقريب المسافة بين النخب الشرقية والغربية».ولفت قباني بأن كتابه «ليس بحثًا علميًا أو أكاديميًا يخضع للأشتراطات الصارمة والجامدة، إنما هو بحثُ لا يعنى بمخاطبة الباحثين والأكاديميين فقط، وإنما عامة القراء، ولهذا عمدت لكتابة بلغةٍ بسيطة وسلسلة، دون الالتزام بشتراطات البحث العلمي الجامدة، حتى أنزع عنه صفة البحث الأكاديمي»، مضيفًا «إن ما يرد في هذا البحث، هي نتاج مجهودي الشخصي، ورؤيةً تتبعُ إجابة ما حار في عقلي من أسئلة، حاولة جاهدًا الإجابة عليها».هذا وجاء كتاب «فراق بين حضارتين» في (500) صفحة، يتناول الفصل الأول افتراق المكان لا الزمان، فيما يتطرق الفصل الثاني لحضارات الغرب الأولى، أما الفصل الثالث فيبحث في العصور الوسطى، مخصصًا الفصل الأخير لـ«فراق ما بعده فراق»، وهو لما أضحت عليه الحضارتين الشرقية والغربية، وكيف يمكنُ تقريبهما.
مشاركة :