قانون العدالة الإصلاحية للأطفال إضاءة حقوقية متطورة

  • 2/21/2021
  • 01:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

العدل أساس الحكم، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين، والحرية والمساواة والأمن والطمأنينة والعلم والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة، (المادة الرابعة من الدستور)، فالمملكة تقوم على جميع هذه المبادئ السامية وأهمها مبدأ العدالة للجميع. ومما يميز المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، سعي السلطة التشريعية إلى تفعيل التزام مملكة البحرين الدولي بإعمال وكفالة وتعزيز واحترام حقوق الإنسان إثر انضمامها إلى العديد من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ولا سيما العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، ومن أهم التشريعات التي صادق عليها جلالة الملك مؤخرًا هو القانون رقم (4) لسنة 2021 بإصدار قانون العدالة الإصلاحية للأطفال الذي جاء ليُعزز ما قضت به المادة الثالثة من القانون رقم (37) لسنة 2012 بإصدار قانون الطفل من أنه تكون لحماية الطفل ومصالحه الفُضلى الأولوية في جميع القرارات أو الإجراءات المتعلقة بالطفولة أيًّا كانت الجهة التي تصدرها أو تباشرها. إذ تُعدّ مرحلة الطفولة وحداثة السن بما يلازمها من قلة العلم والمعرفة والجهل بخفايا الأمور وسهولة الوقوع في الغلط من أخطر المراحل التي يمرّ بها الإنسان لتزامنها مع عدم النضج العقلي وعدم القدرة على اتخاذ القرارات السليمة التي قد تؤثر على حياة الطفل ومستقبله وقد تنحرف بحياة الطفل إلى الوقوع في أخطاء لا يُحمد عقباها، وقد تجنح به إلى طريق الجريمة، ويقع المحظور وهو الوقوع تحت طائلة التجريم والعقاب. ويُعدّ صغر السن من موانع المسؤولية وفقًا للمادة (32) من قانون العقوبات البحريني، التي قضت بأنه: (لا مسؤولية على من لم يجاوز الخامسة عشرة من عمره حين ارتكاب الفعل المكون للجريمة، وتتبع في شأنه الأحكام المنصوص عليها في قانون الأحداث). ووفقًا للمادة (1) من القانون رقم (15) لسنة 2014 بتعديل المادة (1) من المرسوم بقانون رقم (17) لسنة 1976 فإنه: (يُقصد بالحدث في حكم هذا القانون من أتم السابعة من عمره ولم يتجاوز سنه خمس عشرة سنة ميلادية كاملة وقت ارتكابه الجريمة أو عند وجوده في إحدى حالات التعرض للانحراف). فيما حددت المادة (4) من القانون رقم (32) لسنة 2012 بإصدار قانون الطفل سن الطفولة بنصها على أنه: (يقصد بالطفل في هذا القانون كل من لم يتجاوز ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة وذلك مع مراعاة القوانين النافذة الخاصة المنظّمة لمن هم دون هذا السن). وعليه فإن الجديد في قانون العدالة الإصلاحية للطفل -إذا التفتنا عن حلوله محل قانون الأحداث- أنه جاء ليعيد تنظيم المحاكم التي تنظر الجرائم التي يرتكبها الطفل الذي تعدّي سن الأحداث بإكماله سن الخامسة عشرة ولم يتجاوز سن ثماني عشرة سنة وهو الطفولة الذي أقرته المواثيق الدولية وقانون الطفل البحريني، فجريمة الطفل في هذه المرحلة لا يسري عليها قانون الأحداث من ناحية، كما أنها يجب أن تذهب إلى أبعد من كونها مجرد عذر مخفف للعقوبة الأصلية التي قررها قانون العقوبات بسبب حداثة السن الواردة في صريح نص المادة (70) من قانون العقوبات البحريني، لأن مرتكبها مازال طفلاً وفقًا للمعايير الدولية والقانون الوطني، فهي مرحلة طفولة ولكنها تستوجب تدابير خاصة لأن المسؤولية الجنائية عن الجرائم التي يرتكبها الطفل الذي تجاوز الخامسة عشرة خلالها قائمة وفقًا لقانون العقوبات، وبالتالي جاء قانون العدالة الإصلاحية للأطفال ليضع ضمانات لحماية المصالح الفضلى للطفل، لحماية الأطفال في هذه السن من سوء المعاملة ويخلق بالتالي الموازنة بين المصالح الفضلى للطفل التي يحميها قانون الطفل، من خلال إنشاء محاكم خاصة (محاكم العدالة الإصلاحية للطفل) فلا يتم محاكمة الطفل أمام المحاكم الجنائية العادية وحمايته من آلية تنفيذ العقوبات المقررة للبالغين عبر تطبيق العدالة الإصلاحية للطفل وفقًا للمعايير الدولية، وهو توجّه حميد وجدير بالإشادة به باعتباره فكرة متطورة وحديثة تعزز دور وأهمية الجزاء ولكنها في الوقت ذاته تسمو بالعقوبة الموقعة على الأطفال لتجعل منها وسيلة علاج وإصلاح تركّز على حالتهم النفسية المرتبطة بحداثة السن وقلة الخبرة والظروف والعوامل الخارجية الأخرى المحيطة بهم والتي قد تؤثّر في سلوكهم وتحيد بهم عن الطريق المستقيم، فتأخذ بيد هذه الفئة لتتجاوزها وتعيد بذلك تأهيلها وإعدادها ليكون جميع أفراد هذه الفئة أعضاء فاعلين في المجتمع، وهي فكرة تجعل من العدالة أداة رحيمة تحتوي الطفل وتعيد بناء شخصيته وثقته بنفسه وثقة المجتمع به، في ظل بيئة إصلاحية تقدم له الحماية اللازمة، وكلي ثقة بأن التطبيق سيثبت فاعليتها بنسبة كبيرة، فضلاً عن أن هذا التوجه يُعدّ خطوة متقدمة في سبيل تعزيز حقوق الإنسان في مملكة البحرين وتأصيلاً لكلمة جلالة الملك السامية ذات ذكرى للإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأنه (سيظل انتهاج الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان جناحين تطير بهما البحرين إلى آفاق المستقبل، وهما ركيزتان رئيسيتان في المشروع الإصلاحي الشامل، وبهما جرى تعزيز الحقوق الدستورية، وفق ثوابت وطنية وإسلامية وبما يتوافق مع إرادة الشعب).

مشاركة :