في الوقت الذي يتسلح فيه القطاع السكني باهتمام الدولة ورعايتها له من أجل إيجاد حلول جذرية لمشكلة السكن في البلاد، يشهد القطاع العقاري بعضاً من العشوائية التي أضرت بعملياته وبمصالح المستثمرين فيه، هذه العشوائية إن لم تواجه بأنظمة وقوانين صارمة منذ البداية، فقد تفسد تطلعات المملكة في أن يكون لها قطاع عقاري ضخم، تراهن عليه في دعم الناتج المحلي، وتوفير فرص عمل جاذبة لأبناء الوطن. ويقود أجانب بدرجة "متطفلين" هذه العشوائية، عندما يسطون على إعلانات العقار السعودية، المنشورة في المواقع الإلكترونية، ويعيدون نشرها في المواقع نفسها أو مواقع أخرى على حسابهم الشخصي، ولكن بتليفونات خاصة بهم، ثم يلعبون دور "سماسرة" بين عملاء العقار، وبين المُسوقين العقاريين (أصحاب الإعلانات الأصليين)، طمعاً في الحصول على نسبة من السعي. لم تقف هذه العشوائية عند هذا الحد، وإنما تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، عندما يتلاعب هؤلاء الأجانب بأسعار العقار، ويعرضون أسعاراً تفوق ما كان معروضاً، للحصول على نسبة سعي أعلى، وهو ما يُعيد عصر ارتفاع أسعار المنتجات العقارية إلى مستويات خارج نطاق المنطق والعقل كما هو الحال اليوم للأسف - ولعل هذا من الأسباب الرئيسة التي أربكت القطاع في وقت سابق، وتسبب في أزمة السكن التي عانت منها المملكة طويلاً، قبل أن تتبنى الدولة ملف السكن، وتوجه بإنشاء وزارة للإسكان. قد تكون مثل هذه العشوائية مقبولة قبل الإعلان عن رؤية 2030، ولكن بعد الرؤية من الصعب أن نتخيل مثل هذه العشوائيات "الساذجة"، رغم حزمة الأنظمة والتشريعات التي أقرتها الدولة خلال السنوات الماضية، ونجحت بها في إعادة صياغة الكثير تفاصيل القطاع، وخلصته من أسباب الوهن والضعف التي علقت به، وعززت من نسبة التوطين فيه، بتأهيل المتخصصين فقط للعمل في القطاع، وإبعاد غير المؤهلين. نحن بحاجة إلى اليوم أكثر من أي وقت مضى، لتفعيل الأنظمة والقوانين الكفيلة بحماية العقار، وحفظ حقوق العاملين فيه من المتطفلين، خاصة إذا عرفنا أن هذا القطاع دون سواه، يستطيع أن يوفر آلاف فرص العمل لأبناء الوطن، إذا ما كانت بيئته جذابة ومجدية، وتقتصر على الفئات التي حددتها الدولة، وعلينا أن نضع في الاعتبار أن تفعيل الأنظمة ساهم في إحالة 11 شخصًا إلى النيابة العامة لمزاولتهم التقييم العقاري دون الحصول على ترخيص مزاولة المهنة.
مشاركة :