ليس من باب نسف الهوية أو تسطيح لبعض الظواهر التي مررها التاريخ الادبي على أنهم أدباء صعاليك, سواء أثروا في المشهد الأدبي أم سوقهم الصيت الاعلامي عبثاً أو إمعاناً لمحسوبية المجايلة, لكني احاول جاهداً إلى خلق دالة معرفية مرتكزة على ثوابت فنية ليس إلا, لا عن طريق البطش والرهان، في البدء إن كان الفهم المتعارف علية لبنية الاديب الصعلوك التمرد بنسقها الظاهر أو المدفون, فكل من شاكس المعنى وحاول فتح المغاليق المتوارثة لسيلٍ من الأسئلة الشائكة والموتورة داخل النص الادبي فهو صعلوك بجواز نقدي وعرف ثقافي مع الأخذ بنظر الاعتبار العلامات والسمات المناطة لماهيته وتكوينه السايكولوجي، ما معناه، أن نزق الأديب الكائن على قبض جمرة الفكرة بهاجسها المنضوي وفردانيتها عند الحد المتنازع عليه بين غثيان الوجود ومرارها الحالك وهيامها المستميت تراه ينسحب نحو ضالته لتجده سارحاً ومخيلته التي سوّرها التيه، بيد أن من الملاحظ أن اشتراطات الصعلكة خضعت لاعتباراتٍ مادية ملموسة, كالقوام والتصرف ليختلط السياق بالنص والهاجس بالسلوك والهامش بالمتن ليأخذ مأخذ الطابع العام شكلاً ومضموناً وهذا ما نجده مخالفاً لحجة ومعايير النقد ومسلماته بحسب الحالة التي يمر بها الاديب، ثمة سؤال عجوز يندرج ضمن مصاف تصدير بعض الأسماء الأدبية المتصعلكة, ماهي ملامح الصعلوك بنيوياً داخل النص؟ فيما إذا تعدينا أثره وطريقه تعاطيه للحياة فأن من الواضح أن ندرك تماماً سطوة الأنا المتشحة بالتمرد, وركل البعض الكثير من المفاهيم, والنظر للماحول بعينٍ مغايرةٍ ساعياً بأن يخوض غمار اللغة برؤىً مختلفة عن سابقها هاماً بالأثر الذي يتركه منهمكاً في لعنة الزوال والامّحاء اللذان يشكلان طابع القلق بالنسبة لديه, ليكتب نصه ويؤسس لنفسه وطناً أدبياً يبشر له ويرسم خارطته على مدى الفترات اللاحقة, وهنا نلاحظ ثمة فرق شاسع بين من تبنى الصعلكة مع اكتنازه لغةً وموهبةً ليتماهى مع الحالة التي تؤهله بأن يكتب نصاً غير مفتعل خالياً من المغالاة بالطرح ولعبة الأنثيال التي مررت على أنها اقصى مراحل الطعن في خاصرة المعنى لما يعانيه من وجع وحيف ومظلومية لتصب في دائرة المعاناة, ولا اعرف هل هي معاناه الكاتب؟ أم حقن اللغة وتحميلها اكثر من طاقتها، لتبدو حالة اللبس واضحة وجلية لدى المتلقي، ومنهم من أظهر تمرده علناً ممزقاً زمنه ليدخل خاوياً هزيلاً مطفئاً مستبعداً من الدهشة والاثارة مع ضآلة المحتوى بعدم حيازته للغة وافتقاره للمضمون الذي يمكنه من اللحاق باللحظة المعبأة بالتجلي فيما إذا ادعينا بأن هناك حالة من التضاد بين ذاتهِ الشاردة واستجلاب المعنى في آن واحد . يبدو أن هناك بوناً شاسعاً بين خبايا وخفايا الأديب المتصعلك وحصّالته اللغوية من باب, وبين مزاجه المتذبذب غير المستقر من بابٍ اخر, مستحضراً مناخاً وطقساً ملائماً ليصل إلى نفسهِ وكينونتهِ بالكاد، فيما إذا أجزنا خفوت وذبول هذه الظاهرة في المشهد الثقافي الحالي مع وجود بعض المسميات الذين مارسوها معنىً وسلوكاً هنا وهناك لكن بصورة خجلة مغتربة عن ايقاعها المتواتر نوعاً ما, نجد أن من الضروري أن نلقي الضوء على احقية اسبابها ومسبباتها المخفي منها والمعلن بعيداً عن اجتزاء حالة الوصف و مدلولها النسقي لدى الاديب. عطفاً على ما ورد, و بلوغ القول بصلته، يجب توضيح وبيان علاقة السلطة بالكادر الجمالي وما ينتجه من استدلالات حاسمة، ماهي الخطوط الواضحة والمبهمة في كيفية طرح الثقة بينهما, وهل هناك تجريف لبعض من المفاهيم التي سخرت لهذه العزلة؟، من المعلوم أن نجد هناك حالة من النفور العام بين منتج الافكار وبين عين الرقيب (السلطة) وهذه مسألة أزلية وجدلية كبرت مع زمانها وباتت من المسلمات الحتمية الباقية بقضائه وقدره, فيما أذا مررنا شيئاً من المغازلة لبعضٍ من الحقب الفائتة, لكننا نجد أن ثمة فجوة قد أُسس لها مما يدفع الاديب إلى ممارسة نوعٍ من أنواع التشظي والتوهان بصورة أو بأخرى سواء في انعتاق المعنى أو في مصاحبة الرصيف وهو تعبيرٌ ناتجٌ عن عدم الرضوخ أو التبعية لما به من أثرٍ يعكس مدى الرغبة الفاعلة في كيفية الاطاحة بالسائد العام وتذليل أوانه, ودافعاً أكثر ثراء وحيوية لاستفزاز الشعور المحبط بعدم الراحة والانكسار الدائم، لذا يعتقد الاديب الصعلوك بأنه القدر المبيّت لكل قرار فاشي, وانه العرق الثوري الذي يشكل جداراً من الصد والتنديد لكل السلطات المتعاقبة وأن لم تكن بالصورة التي تمكنه من البوح علانية. الاعتبار الآخر, محدودية الرخاء الذي يفتقره الاديب وانعدم الاستقرار المادي مما يشكل له نزعة الاضطراب بعدم الاتزان والاحساس الدائم بالحيف والسعي وراء شظف العيش وهذا ما نجده ينعكس بصورة واضحة لدى نصه ليمرر حاجته وغايته لاعناً ذاته أو الذات التي جعلته منغمساً بهذا الهم، وهنا نلاحظ نسق الاديب والسلطة حاضراً ايضاً وبقوة مما نستحضر السبب الرئيس والدافع الاكثر حنقاً في الطرح . ربما هناك كم من الجوانب النفسية عند الاديب التي مهدت لهذا المخاض دونما دراية بغية الوجود الفعلي لا المجاز المذاب بصلاحية الوقت, والتي بانت افرازاتها داخل النص أو خارجه وهذا ما يسترعي التأمل طويلاً لمعرفة مدى الصراع الدائر بينه وبين ملائمته لخلق نص يعبر عنه ليكشف عن اسفاره من خلاله، ثمة امور حتمية وسياقات غير مبهمة في ماهية التكوين والنشأة إذ نجد من الممكن إن تكون هناك بعض من المبررات المجتمعية التي حوصر من خلالها ليسلك طريقاً وعراً مغبراً موقناً بأنه نزوح نحو الخلاص, فيما إذا تبعناه بدراسة متأنية ومنهج نقدي مختص له ركائزه التحليلية والدلالية نستنتج أن هناك ميل فطري وانجذاب عفوي يجعل الأديب منفياً عن كونهِ، رائياً بأفكاره المختلفة، باحثاً عن رؤاه وجدواه بهذا الشقاء الفكري الذي يمر به, ليعيد ترميم محتواه من خلال الندرة التي يلبسها قالباً معاشاً أو يبذرها لغة بمدياتها وفضاءاتها المحلقة، وهنا تبرز قصدية الذات غير المتكلفة, لنسعى بأن نقف بثبات وحرص عند هذه الظاهرة التي ضمت بين طياتها أدباء عبّروا عن ذواتهم المنصهرة ومجتمعهم الراكد بمصداقية وصراحة لا مناص منها. * القاص والناقد العراقي امين الشؤون الثقافية في نادي السرد
مشاركة :