يعتقد خبراء ليبيون أن منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، مرهون بتجاوز مجلس النواب (البرلمان) لخلافاته، وإبداء حرص أكبر على تمرير الحكومة التي توافق بشأنها الفرقاء في جنيف قبل أسابيع. كما يرى الخبراء والمحللون بأن التأخر في تمكين الحكومة من عملها لتحل موقع حكومة الوفاق لتصريف الأعمال، من شأنه خلط الأوراق وإعادة الفوضى السياسية، عقب جولات حوار مكوكية استمرت لأشهر، نجحت في إيقاف الحرب ومهدت الطريق نحو تولي سلطة تنفيذية جديدة شؤون البلاد. وقال فرج الدالي، المحلل الليبي في الشؤون السياسية في تصريح لوكالة أنباء (شينخوا) مساء اليوم (الجمعة)، بأن "مجلس النواب يماطل في تحديد جلسة خاصة لمنح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية، وهو تراجع خطير وسيكون له ارتدادات على حالة الاستقرار السياسي المؤقت". وأضاف الدالي "الحديث على أن الخلاف بين نواب البرلمان، هو بشأن اسم المدينة التي ستستضيف جلسة منح الثقة، هو توصيف غير دقيق واختزال محدود لحقيقة الخلاف، لأن النواب لا يهمهم اسم المدينة التي ستسند لها مهمة استضافتهم، بقدر ما هو خلاف حول المرشحين للتشكيلة الوزارية في الحكومة الجديدة". وبرز خلاف كبير بين أعضاء مجلس النواب حول المدينة التي ستستضيف جلسة منح الثقة. وطرح أسماء مدن ثلاث، وهي غدامس (جنوب) وسرت (وسط) وصبراتة (غرب) البلاد. وختم قائلا "إن النواب منقسمين إلى مجموعات، وكل فريق منهم يحاول فرض اسمه مرشح على رئيس الحكومة المكلف عبد الحميد الدبيبة، وقد ألمح بنفسه إلى مواجهته الضغوط السياسية حتى قبل نيل حكومته الثقة". وقدم عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية أمس، الهيكلية الوزارية لحكومته إلى مجلس النواب. وقال الدبيبة في مؤتمر صحفي عقده في العاصمة طرابلس نقله التليفزيون الرسمي الليبي "قدمنا الهيكلية الوزارية وتصور وبرنامج عمل الحكومة، وبرنامج اختيار وتسمية الوزراء إلى رئاسة مجلس النواب". وتابع "إعلان أسماء الوزراء سيتم حال تحديد موعد جلسة مجلس النواب"، مشيرا إلى أن حكومته ستكون "تكنوقراط ومهنية" ممثلة لكل الليبيين. وترى فاطمة الزائدي، الخبيرة في الشأن السياسي، بأن الدبيبة ظهر أثناء إعلان تقديمه تصور عمل حكومته وآلية اختياره، بطريقة أقلقت الليبيين وجعلتهم متخوفين من حجم الضغوط التي تمارس عليه من قبل البرلمان. وأوضحت الزائدي لـ(شينخوا) " ألمح في أكثر من عبارة الدبيبة في مؤتمره الصحفي، بأن المرحلة صعبة وتحتاج تنازلات كبيرة، محاولته تقديم تشكيلة وزارية ممثلة لكل مناطق ليبيا، وأنه يأمل من مجلس النواب منح الثقة بسرعة، كلها رسائل تؤكد أن الرئيس الجديد يتعرض لضغوط من قبل النواب، وأنها ربما تهدد اعتماد حكومته". وأشارت الخبيرة الليبية، إلى أن نواب البرلمان يريد بعضهم الحصول على حصة أو حقيبة وزارية لأقاربهم أو حتى لهم شخصياً، مقابل تمرير الحكومة الجديدة. وقالت بهذا الصدد "خرج بعض النواب عبر وسائل الإعلام، وتحدثوا أن بعض زملائهم يمارسون ضغطا على الدبيبة، ويطلبون صراحة مناصب حكومية رفيعة في حكومته، لهم أو لأشخاص مقربين منهم أو ممثلين عن مدنهم، مقابل منح الثقة لحكومته". وكان عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية طالب مجلس النواب الوقوف معه، واعتماد الحكومة وتوحيد الميزانية العامة للدولة، ومنح الثقة للوزراء في "وقت قريب". كما طالب الجميع تقديم التنازلات "المؤلمة" للتخفيف عن معاناة الليبيين جراء الانقسام السياسي. بدورها طالبت مجموعة العمل السياسي المنبثقة عن لجنة المتابعة الدولية المعنية بليبيا وبعثة الأمم المتحدة اليوم، البرلمان الليبي الإسراع في منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية الجديدة. وأكدت على "أهمية قيام جميع المؤسسات ذات الصلة باستكمال الإطار الدستوري والقانوني اللازم لإجراء الانتخابات". من جانبها، دعت سفارات الولايات المتحدة ودول غربية عدة، مجلس النواب الإسراع في تحديد جلسة رسمية لاعتماد الحكومة، لتمكينها من التحضير للانتخابات العامة نهاية العام الجاري. أما ميلود الحاج، الأستاذ الجامعي، فيرى أن الخلافات داخل البرلمان يمكن تجاوزها بسهولة، عبر اعتماد الخيار الثاني لمنح الثقة للحكومة الجديدة. وكشف الحاج عن هذا الخيار عندما تم اختيار السلطة التنفيذية الجديدة من قبل أعضاء ملتقى الحوار السياسي، تم تحديد طريقتين لمنح الثقة للحكومة، الأولى عبر مجلس النواب ضمن مدة محددة تنتهي في 19 من مارس المقبل، والثانية في حال تعذر الأمر تعرض الحكومة على أعضاء ملتقى الحوار، الذين بدورهم يمنحوها الثقة دون الحاجة لمجلس النواب. ونجحت الأطراف الليبية المشاركة في ملتقى الحوار السياسي في جنيف برعاية أممية مطلع الشهر الجاري، من اختيار سلطة تنفيذية (حكومة) جديدة. وستقود الحكومة الجديدة (المؤقتة) برئاسة عبد الحميد الدبيبة إلى إجراء الانتخابات المقررة نهاية العام الجاري. وبموجب التكليف، يتعين تقديم الدبيبة تشكيلته الحكومية إلى مجلس النواب قبل الـ 26 من فبراير الجاري، وهو ما تم رسميا أمس. وعقب ذلك يمنح مجلس النواب 21 يوماً لتحديد جلسة منح الثقة واعتماد الحكومة، وفي حال فشله في عقدها، ينتقل أمر إجازة حكومة الوحدة الوطنية إلى ملتقى الحوار السياسي. وقبل أكثر من ثلاثة أشهر توافق أعضاء ملتقى الحوار السياسي الـ 75 خلال اجتماع في تونس، على إجراء الانتخابات العامة في 24 ديسمبر من العام الجاري. وسبقها النجاح في توقيع وقف إطلاق النار الدائم في ليبيا نهاية أكتوبر الماضي، حيث أنهى الاتفاق الصراع العسكري بين قوات "الجيش الوطني" وقوات حكومة الوفاق، التي استمرت في الفترة من أبريل 2019 إلى يونيو 2020. وتعاني ليبيا من فوضى أمنية وصراع على السلطة منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في العام 2011.
مشاركة :