تسبب قرار البرلمان الليبي المنعقد في طبرق شرق البلاد القاضي بسحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية التي جاءت وفق التسوية السياسية الأخيرة، في لغط وجدل كبيرين في الأوساط الشعبية والسياسية على حد سواء، بل تعداه إلى الرفض الدولي للقرار، الأمر الذي فـسر بأنه مثل تشويشا على عملية الانتخابات المقبلة، التي لم يتبق عليها سوى أقل من 100 يوم. ترى إيمان جلال أستاذة العلوم السياسية في ليبيا في تصريح لوكالة أنباء (شينخوا) مساء اليوم (الأربعاء)، بأن قرار سحب الثقة من الحكومة مثل تشويشاً على عملية الانتخابات، ولا مبرر لاتخاذ مثل هذه القرارات، التي لاقت رفضا محليا ودولياً على وجه السرعة. وأضافت إيمان جلال "الحكومة الحالية جاءت وفق اتفاق وتسوية سياسية مطلع العام الجاري، ولديها مهمة أساسية تتمثل في التحضير للانتخابات بعد ثلاثة أشهر، وبالتالي سحب الثقة منها في هذا الوقت، لا معنى له أو سبب حقيقي، سوى أنه جاء لتصفية الحسابات، ومحاولة بعض الأطراف التشويش على الانتخابات، وربما محاولة تأجيلها بصورة غير مباشرة". وعن مبررات قرار البرلمان، قالت "تحدث النواب المعارضون للحكومة، أن القرار جاء لفشلها واتهامها بالفساد، وهو أمر يثير الاستغراب والتساؤل، فكيف لحكومة لم تعتمد ميزانيتها العامة، محاسبتها على هدر المال العام والفساد؟". وأعلن البرلمان الليبي أمس، سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية، وتكليفها بـ"تصريف الأعمال" حتى موعد الانتخابات. وأفاد الناطق باسم مجلس النواب،عبد الله بليحق، بـ "سحب الثقة من الحكومة بأغلبية 89 نائباً من أصل 113 نائبا حاضرين" في جلسة مغلقة . ووصف النائب البرلماني أبوبكر سعيد قرار سحب الثقة، بـ"المعيب" و "غير القانوني" والمخالف للإعلان الدستوري والاتفاق السياسي. وأوضح النائب سعيد في تصريح لـ (شينخوا) "ما صدر عن مجلس النواب يعطي انطباع بأن الإصرار على سحب الثقة بهذه السرعة، دون منح فرصة للجان البرلمانية بالتحقيق مع الحكومة، دليل على أن القرار اتخذ بشكل سياسي مسبق". وتابع "كان الأجدر على مجلس النواب التركيز على إصدار القوانين المنظمة للانتخابات المقبلة، بدلا من الخوض في مسائل غير قانونية ومطعون فيها، قد تزيد حدة الانقسام وتعطل الانتخابات والعودة للمربع الأول". ورفض رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة قرار سحب الثقة من حكومته، مؤكدا بأنها "مستمرة في مهامها وصولا للانتخابات" المقررة في ديسمبر القادم. وقال الدبيبة، في كلمة أثناء مشاركته في حفل رياضي بمدينة الزاوية غرب طرابلس مساء أمس، "ليبيا تستحق منا النظر لكل ما هو إيجابي، وجئنا نؤكد عزمنا على مواصلة ما بدأنا به حرصا منا على إنقاذ الوطن، وأملا منا في توحيد صفوفه وطرد شبح الحرب". وأضاف الدبيبة بالرغم من المؤامرات التي تحاك، الحكومة مستمرة في مهامها وصولا للانتخابات لتوفير مستقبل أفضل. وعقب عودته من الزاوية، شارك الدبيبة في مظاهرة لمئات من الداعمين لحكومته في "ميدان الشهداء" بطرابلس الرافضين لقرارات البرلمان ، مطالبين بإسقاطه. وخاطب الدبيبة المتظاهرين بكلمة قصيرة قائلا إن "الشرعية لكم وأنتم من تقررون وليس هؤلاء المعطلون، الذين لا يريدون إلا الحرب والدمار" في إشارة لقرار البرلمان بسحب الثقة من حكومته. وأضاف "لا يمكن الطعن في جميع أعضاء مجلس النواب، فهناك شرفاء بينهم (...) سيسقط البرلمان ولن يكون ممثلا لليبيين بهذه الصورة". وسارعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، إلى إعلان رفض قرار البرلمان، وأكدت أن الحكومة الليبية القائمة هي صاحبة "الشرعية" حتى الانتهاء من الانتخابات المقبلة. وأكدت البعثة الأممية في بيان نشرته عبر موقعها على الإنترنت "حكومة الوحدة الوطنية تظل الحكومة الشرعية، حتى يتم استبدالها بحكومة أخرى من خلال عملية منتظمة تعقب الانتخابات". وقال المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا يان كوبيش، "البعثة كانت تتوقع أن تتركز جهود مجلس النواب على وضع اللمسات الأخيرة على قانون الانتخابات البرلمانية، وأن تعمل على تعزيز جهودها نحو بناء توافق واسع النطاق بشأن الإطار التشريعي للانتخابات". وحثت الأمم المتحدة مجلس النواب على "استكمال العمل على قانون الانتخابات النيابية خلال الأسبوع المقبل في أقصى تقدير"، وأعادت تذكير الأطراف بـ"الالتزام بالإطار القانوني والدستوري الذي يحكم العملية السياسية الليبية". كما شددت على أن "إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 ديسمبر المقبل، يجب أن يبقى هو الهدف الأسمى، وأي جهود لتحويل الانتباه إلى أهداف أخرى يقع ضد إجراء الانتخابات في موعدها". ورد المستشار عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي على الرفض الأممي، بأنها لا تملك التدخل في "شأن داخلي". وقال رئيس البرلمان الليبي في تصريح لقناة (ليبيا الحدث) المقربة من البرلمان "لقد اتصل بي المبعوث الأممي وأبلغته أن قرار سحب الثقة لا يعني إقالة الحكومة أو استبدالها، بل تحولها إلى حكومة تصريف أعمال حتى موعد الانتخابات". ومضى في تبرير القرار وقانونيته، "لا تملك البعثة أو طرف التدخل في شأن داخلي لمجلس النواب، كما أن المفوضية الوطنية للانتخابات مستقلة وجاهزة للإعداد للعملية الانتخابية المقبلة، ولن تتأثر بقرار سحب الثقة من الحكومة"، في إشارة إلى رفضه الموقف الدولي الرافض لسحب الثقة من الحكومة. لكن عماد جلول، المحلل السياسي الليبي، يرى أن الموقف الدولي السريع والحازم، أنهى بسرعة "التشويش" على الانتخابات المقبلة، وبالتالي لن يتمكن البرلمان من تطبيق قراره أو إلزام الحكومة التي يدعمها المجتمع الدولي بقوة. وقال المحلل السياسي مفسراً ذلك، "البرلمان يعرف جيداً أن حكومة الدبيبة تم اختيارها في جنيف بدعم أممي واسع، وأنها وبالرغم من الملاحظات التي تتعلق بأدائها، إلا أنها نجحت في إنهاء الانقسام، ودعمت مفوضية الانتخابات مالياً بشكل كاف، لذلك لا يمكن دوليا قبول إزاحتها، مقارنة بفترة سابقة كانت لغة الحرب والمعارك تتحدث لعامين غرب البلاد". ونجح ملتقى الحوار السياسي الليبي خلال اجتماع في جنيف برعاية الأمم المتحدة في اختيار سلطة تنفيذية جديدة شملت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ومجلسا رئاسيا بقيادة محمد المنفي لتولي أمور البلاد حتى إجراء الانتخابات المقررة في ديسمبر القادم. وفي 25 فبراير الماضي، أعلن الدبيبة تقديم الهيكلية الوزارية، وتصور وبرنامج عمل الحكومة إلى مجلس النواب، قبل أن يمنحها الأخير الثقة في العاشر من مارس. لكن الحكومة واجهت انتقادات كبيرة من مجلس النواب، ورفضت الموازنة العامة التي تقدمت بها مرات عدة، بدعوى المبالغة في أوجه الصرف المقررة وفقها. وعانت ليبيا من فوضى أمنية وصراع على السلطة منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في العام 2011.■
مشاركة :