من يتأمّل جهود الناقدة والروائية والمترجمة الفذة لطفية الدليمي، يلمح فيها الغزارة بالتوازي مع الجودة. ومن يقرأ سيرتها الأدبية ويطلع على آرائها المتنثرة في كتاباتها، يجد أنها من الكاتبات اللاتي استطعن النأي بأنفسهن عن هدر الوقت وتبديده عبر مواقع التواصل؛ وقد أبدت حزنها من تبديد المثقفين تلك الأوقات فيما لا طائل منه، لطفية الدليمي كاتبة عراقية معاصرة مُهمّة بدأت الكتابة المنتظمة منذ بواكير سبعينات القرن العشرين ولها مساهمات متناثرة في صحف عراقية؛ تنامت مسيرتها بالدأب والمثابرة حتى انتهت إلى ما ينوف على الخمسين كتاباً في الرواية والقصة والمسرحية والمصنفات المعرفية العامة والترجمة فضلاً عن آلاف المقالات في الصحف العربية. لها تبصّرات نقدية مهمة كما أن لديها ميل طاغي للروائيين المعاصرين نحو جعْل الرواية نصّاً معرفياً بحدود ما يمكنهم توظيفه ويأنسون له، وتشير لطفية الدليمي بثقة إلى أننا سنلمس في روايات القرن الحادي والعشرين قبسات متزايدة من المعرفة العلمية والفلسفية والسايكولوجية والتأريخية تتواشج مع الصفات الخاصة لكل شخصية وتبرز اهتماماتها وأحلامها ونمط سلوكها، ويتفق هذا الأمر مع القناعة المتزايدة بأن الرواية الحديثة ستلعب في السنوات المقبلة دور (الحاضنة المعرفية) التي تزوّد الأجيال القادمة بقدر معقول من تلاوين المعرفة المتجددة للأجيال المسحورة بالعالم الرقمي. جابت أقاليم الكتابة وترحّلت في عوالم الروائيين تقول في أحد مقالاتها: يوم بلا عمل، صباح بلا خطة للكتابة، متاهة مضببة ووقت منذور للفناء. هكذا أجدني إذا مرّ يوم دونما كتابة صفحة واحدة او قراءة بضع صفحات من كتاب أو ترجمة صفحة من كتاب ثمين، يوم بلا عمل وقفة حيرى على مشهد العالم الذي ينطلق قدماً في مسارات التجدد والتحولات ويدعنا وراءه في خمول التردد. وتمجّد العزلة بقولها: منذ شرعت بالكتابة أخترت العزلة والنأي عن الأوساط الثقافية، لم ألتقِ بمعظم أدباء جيلي إلا عندما عملت في مجلة الطليعة ومجلة الثقافة الأجنبية، ونادراً ما كنت احضر المهرجانات والندوات فنجوت من مؤثرات المشهد الثقافي واستقطاباته الحادة، وقررت أن لا أضحي بوقتي في الحضور الاجتماعي والتجمعات الثقافية إذ أيقنت وما زلت بأن العزلة تحمي المبدع من التبدد في الانشغالات الهامشية وتصون لغته وتؤكد خصوصية أسلوبه.
مشاركة :