راحت تضغط بكل قوتها على ركبتيها،حتى لا ينتبه أحد إلى ارتعاشهما. لم تكن تعي ما يدور حولها،ولا ما يحدث لها. طلبت من النادل عصيرا باردا،شربته دفعة واحدة،ثم التقطت حقيبتها وغادرت المقهى. على غير عادتها،لم تنتظر الحافلة التي تعودت ركوبها من المحطة المقابلة لمقر الجمعية لتعود إلى بيتها.هذه المرة أوقفت سيارة أجرة استقلتها بسرعة وهي تخبر السائق باسم الحي الذي تقصده. لم تكن تدرك إن كانت اختارت السيارة لتهرب سريعا من المكان،أم لأنها تريد أن تصل بيتها بأقصى سرعة،لتغلق دونها ،وأولادها الباب،فتحس بالراحة والطمأنينة. كانت كل حركاتها عصبية ،حتى أنها راحت تنكمش،وتتقلص في كرسي السيارة الخلفي وهي تطل على الشارع من وراء الزجاج. لأول مرة،اكتشفت بعض المباني الحكومية ،والمدارس،والمحلات، والتي لم تكن الأكوام البشرية المكدسة في الحافلات تسمح لها برؤيتها من قبل. فجأة،قفزت -وهي جالسة- إلى الوراء،في حركة جلبت انتباه السائق الذي راح يرقبها من المرآة العاكسة. -هل أنت بخير سيدتي؟هل هناك شيء؟ -لا…لا شيء.لا شيء . أغمضت عينيها،ثم فتحتهما بسرعة وهي تفركهما بأصابعها متمتمة: -أين اختفى؟أين ذهب؟كان هنا يطل علي من زجاج النافذة،وهو يبتسم.لا…لا…أكيد أنا جننت.كيف يمكن أن يحدث هذا؟رحماك يا رب. -هل قلت شيئا سيدتي؟ -لا…لا.لم أقل أي شيء. حرك السائق رأسه في استغراب ثم زاد في سرعة السيارة،كأنما يريد أن يصل بأقصى سرعة للتخلص من الزبونة الغريبة. دفعت له أجرته وهي تغادر على عجل،وما أن هم بالمغادرة حتى عادت وهي تصرخ،لتفتح الباب ،وتلتقط حقيبتها التي نسيتها علي المقعد. -يالله…ما الذي يحدث لك يامحاسن؟ما الذي يحدث لك يا امرأة عاشت سجينة بين أخ ظلوم قاسي القلب،وزوج لم يكن له من الرجولة إلا الإسم،ومجتمع لا يرحم؟وماذا بعد يا محاسن؟ أدارت المفتاح في القفل،وهو يكاد يسقط من يدها لشدة ارتعاشها. ما أن دخلت، حتى أغلقت الباب،ثم أسندت إليه ظهرها،رافعة رأسها لتستنشق هواء بيتها الذي يشعرها بالراحة والطمأنينة. كان الهدوء يعم المكان.فالأولاد منشغلون بدراستهم ،ولم يحن موعد رجوعهم. ألقت بحقيبتها،وهاتفها فوق السرير،ثم توجهت إلى الحمام لتنعش وجهها،ويديها ببعض الماء البارد،ثم اتجهت إلى المطبخ لتتناول مسكنا،فقد كاد رأسها ينفجر من شدة الصداع الذي أصابها. فجأة رن الهاتف.تحركت ببطء،نظرت إليه دون أن تلتقطه،كان نفس الرقم.إنه هو! جلست على حافة السرير هادئة.كأنما هي امرأة أخرى.كان هدوء غريبا.فعيناها غائرتان،وفكرها شارد. رن الهاتف من جديد.دون أن تلتفت،مدت يدها وحملته بتثاقل. -ألوووو -ألوووو…أحبك محاسن.أحبك. لم تتحرك منها شعرة! كانت كصنم.فقط كانت تحاول ابتلاع ريقها بصعوبة جمة. -محاسن…أنا ممن يأتون البيوت من أبوابها،أعرف أنك مطلقة، ولك أبناء.هل تقبلينني زوجا لك؟ تسلل الهاتف من بين اصابعها ليرتطم بالأرض،غطت وجهها بيديها،ثم…أجهشت بالبكاء. ( يا قمر ليلي.. يا ظل نهاري.. يا حبي.. يا أيامي الهنية عندي لك أجمل هدية كلمة الحب اللي بيها تملك الدنيا وما فيها واللي تفتح لك كنوز الدنيا ديه قولها ليا.. قولها للطير.. للشجر.. للناس.. لكل الدنيا.. قول الحب نعمة مش خطية الله محبة.. الخير محبة.. النور محبة) يتبع… ولحديث القلوب شجون لاتنتهي sherinelzeiny@gmail.com
مشاركة :