الأمن والأمان نعمة من الله -سبحانه وتعالى- يستشعرها كل من يعيش على أرض المملكة، حيث ينام فيها قرير العين لا يخشى على ماله أو عرضه أو ولده شيئاً، فقد يغيب لساعات خارج المنزل دون أن يقلق على أسرته، ويسافر أياماً وأسابيع عديدة ونفسه مطمئنة على منزله وأفراد أسرته، ويجوب الشوارع والطرقات دون أن يحمل السلاح معه ليشهره في وجه من قد يتربص به، وقد يخرج من منزله في أوقات متأخرة لقضاء بعض الاحتياجات دون أدنى خوف أو وجل، كل ذلك ما كان ليكون لولا فضل الله -عز وجل- ثم الجهود العظيمة التي يبذلها حماة الوطن من جنودنا البواسل الذين بذلوا الغالي والنفيس لحماية هذا الوطن المعطاء.. إنهم رجال نذروا أنفسهم وبذلوا صحتهم ووقتهم وحياتهم ورموا وراء ظهورهم ما قد يؤثر على أدائهم عملهم ليظهر على أتم وجه، فهم يودعون أهاليهم وأفراد أسرهم صباح كل يوم وهم لا يعلمون ما قد ينتظرهم من مهام وواجبات ومفاجآت قد لا تمكنهم من رؤية من يحبون من جديد. "الرياض" عبر هذا التحقيق تتلمس الجانب الاجتماعي لحماة الوطن تقديراً لعملهم وشكراً على أدائهم لهذه الرسالة العظيمة، وسنستعرض هنا نماذج من معاناة بعض أسر هؤلاء وزوجاتهم وما يلاقونه من متاعب ومصاعب جرَّاء ابتعاد عائلهم عنهم لأوقات طويلة أثناء المرابطة على حدود الوطن. عارض صحي وقالت "أم بتال الشهري":" زوجي يعمل في قطاع القوات البرية، ونتيجة لمرابطاته المستمرة فقد تعودت أن أكون بمثابة الأب والأم لابنيَّ في محاولة لسد الفراغ الذي ينتج عن غيابه"، مضيفة أنه بعد مرور فترة من زواجها وإنجابها طفلتها الأولى انتقلت برفقة زوجها لمنطقة بعيدة في أقصى جنوب المملكة، إذ لم يكن هناك أحد تعرفه، موضحة أن زوجها رابط في تلك الفترة نتيجة بعض الأحداث التي شهدها الحد الجنوبي الأمر الذي أدى إلى بقائها برفقة ابنتها وحيدتين في المنزل، مشيرة إلى أن ابنتها تعرضت في إحدى الليالي لعارض صحي تطلب نقلها إلى المستشفى، بيد أنه لم يكن هناك من يوصلهما إلى المستشفى، فاتصلت بزوجها لتخبره بالموقف. وأضافت أن زوجها حاول إقناع الضابط المسؤول ليسمح له بالعودة إلى المنزل للذهاب بابنتهما إلى المستشفى على أن يعود لمقر عمله صبيحة اليوم التالي، مشيرة إلى أنه حضر إلى المنزل في وقت متأخر لطول مسافة الطريق، مبينة أنها كادت أن تفقد طفلتها نتيجة ارتفاع درجة حرارتها بشكل لم تنفع معه محاولاتها المتكررة لخفض درجة الحرارة، بيد أن الله -سبحانه وتعالى- لطف وتمكنت هي وزوجها من الوصول إلى المستشفى في الوقت المناسب. وأشارت إلى أنه من بين المواقف التي لا يمكن أن تنساها أيضاً، حلول مناسبة عيد الفطر المبارك قبل ثلاثة أعوام وزوجها بعيداً عن المنزل بحكم عمله، مضيفة أنه لم يتمكن من العودة إلى المنزل إلاّ بعد مرور عشرة أيام من ذلك التاريخ، مما نتج عنه دخولها معه في لحظات من العتب الذي انتهى بمشكلة حاول معها والداها تهدئة الأمور وحل هذه المشكلة وإخبارها أن الأمر خارج عن إرادته، لافتة إلى أنهما أوضحا لها أن هذا هو واجبه الذي عليه أداؤه تجاه الوطن، وأن ذلك يعد مصدر فخر لها ولكل من له به صلة، موضحة أنها اضطرت بعد ذلك للبقاء بمنزل أسرتها في حال مناوبة زوجها أو مرابطته، مبينة أن ذلك أثّر بشكل سلبي على استقرارها النفسي. رسالة عظيمة وبينت "أم بتال الشهري" أنه تشكّلت لديها قناعة رسخت مع مرور الأيام أن ما يؤديه زوجها وأمثاله من رجال الأمن البواسل تجاه الوطن هو رسالة عظيمة يجب أن تفخر بها كل زوجة لأي من هؤلاء الرجال، مشيرة إلى أن يقينها بأهمية العمل الذي يؤديه زوجها ومحبتها لزوجها وللوطن ساعدها على الصبر واحتساب الأجر من الله -سبحانه وتعالى-، وقالت:"يكفي زوجي ما يواجهه من ضغوط وخطر وألم فراق، فليس من المناسب أن أقابله بعد كل ذلك بوجه عابس ونفسية متقلبة"، موضحة أنها تحاول أن تستغل كل دقيقة من الوقت لتقضيها معه مدخلة السعادة إلى قلبه، وأن تعين على أداء هذا الواجب على أتم وجه، راجية أن يكتب الله –جل في علاه- لها ولزوجها الأجر والمثوبة، وأن يحميه من شر حوادث الطرق والمخاطر. موقف صعب ولفتت "أم نواف" إلى أنها تعرضت لموقف صعب أثناء غياب زوجها عن المنزل في أحد الأيام بحكم عمله في أحد القطاعات العسكرية، مضيفة أنه كان وقتها في مهمة تقتضي بقاءه مرابطاً على الحدود لعدة أيام، موضحة أن أحد أبناءها سقط على رأسه من أعلى الدرج وغاب عن الوعي، مشيرة إلى أن ذلك استدعى نقله إلى المستشفى، بيد أن الوقت كان متأخراً ولم تجد من يؤدي هذه المهمة العاجلة، الأمر الذي جعلها تتصل بزوجها على الفور لتخبره بالأمر، مبينة أنه حاول أن يخرج من عمله ليعود إلى المنزل دون جدوى، ما أدى إلى جعلها تحمل ابنها وتخرج به إلى الشارع لتبحث عمن يساعدها في إيصاله إلى المستشفى. وأضافت إن هول الموقف جعلها تركب مع سائق أول سيارة توقفت أمامها دون أن تفكر ولو للحظة في العواقب التي قد تنتج عن ركوبها مع شخص لا تعرفه، خاصة أن السيارة كانت خاصة، موضحة أن السائق أوصلهما إلى المستشفى في اللحظات الأخيرة وتم عمل الإسعافات اللازمة لابنها الذي فقد كميات كبيرة من الدم، مشيرة إلى أن صبرها وتحملها هذا الوضع الصعب الناتج عن غياب زوجها عن المنزل فترات طويلة ينبع من حبها لزوجها ويقينها أن غيابه هذا لم يكن بإرادته، بل هو نتيجة أداء واجب عملي فرضته طبيعة عمله في خدمة هذا الوطن المعطاء. واجب وطني من جهته قال رقيب أول "عبدالله أحمد آل فرحان" -يعمل في القوات البرية-:"واجبي تجاه الوطن يجعلني أتحمل الكثير من الضغط النفسي والمصاعب التي أواجهها نتيجة فراق أفراد أسرتي أو ضيق زوجتي أو مرض أبنائي، فما أقدمه أنا وزملائي في كافة القطاعات ما هو إلاّ واجب وطني يجب أن يضحي فيه الشخص بالغالي والنفيس"، مضيفاً أن ذاكرته تختزن العديد من المواقف الصعبة التي لا تبرح مخيلته، ومن بين هذه المواقف ذلك الموقف الذي وجد فيه نفسه عاجزاً أمامه، مشيراً إلى أن لديه ابنة مريضة بالقلب، وأثناء مرابطته على الحد الجنوبي اتصلت به زوجته تخبره عن سوء حالة ابنته فحاول كثيراً العودة إلى المنزل، بيد أن حرص قائد الوحدة كان أكبر من أن يسمح له بالخروج. وأضاف أنه حاول أن يقنعه وأنه سيحضر معه حينما يعود التقارير الطبية التي تؤيد كلامه، موضحاً أنه وافق على مضض بعد أن قضى وقتاً طويلاً في سبيل إقناعه بذلك، مشيراً إلى أنه وصل إلى منزله بعد فوات الأوان، إذ توفيت ابنته وهو في طريق العودة، لافتاً إلى أن هذا الموقف زاد من إيمانه ويقينه أن ما يقدمه للوطن يعد مصدر فخر له ولكافة أفراد أسرته، وأن من واجب الوطن عليه أن يقدمه على نفسه وأن يحتسب في ذلك الأجر والثواب. وعن تأثير ظروف عمله على أفراد أسرته، أكد على أن الخوف والترقب والقلق باتت تلازم أسرته طوال فترة مرابطته، بيد أن نداء الواجب يعد بمثابة الباعث للطمأنينة في أنفس زوجته وأبنائه، مبيناً أن زوجته تفهمت كثيراً ظروف عمله على خلاف ما كان الحال عليه في بداية زواجه بها. مرابطة مستمرة وأكد جندي أول "هاني سعيد" -يعمل في القوات البحرية- على أن مهام عمله تتطلب منه المرابطة المستمرة عند وجود أي ظرف طارئ، الأمر الذي يستدعي بقاءه في عمله فترات طويلة، مضيفاً أن ذلك يعني ابتعاده عن والدته طيلة هذه المدة، ذاكراً أحد المواقف التي مرّ بها أثناء بعض الأحداث التي عاشتها إحدى الدول الخليجية المجاورة قبل مدة إبان مشاركته ضمن أفراد درع الجزيرة، مشيراً إلى أن ذلك أربك أفراد أسرته ووالدته على وجه الخصوص، كما أن ذلك أدى إلى فسخه خطوبته من الفتاة التي كان ينوي الارتباط بها؛ خوفاً من عدم تقبلها ظروفه العملية، ولأنه لم يكن يعلم حجم المخاطر التي من الممكن أن يواجهها هناك. وأضاف أنه يمر بين الحين والآخر ببعض الظروف التي تؤثر بشكل سلبي على نفسيته جرَّاء ابتعاده عن والدته وبكائها في كل مرة يهم فيها بالمشاركة في أحد الارتباطات العملية البعيدة عنها، إلى جانب تضايقه من حياة الترحال التي يعيشها بشكل دائم، بيد أن ما يجعله يقاوم كل ذلك برباطة جأش هو نداء الواجب الذي يسمعه بمشاعره وأحاسيسه، مؤكداً على أنه حينها يتذكر حديث الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-"عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله"، سائلا المولى أن يعينه على أداء واجبه وخدمة وطنه.
مشاركة :