غادة عبدالرحيم تكتب.. عالم الموسيقى 8.. الموسيقى دواء

  • 3/6/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تحدثنا في الحلقة السابقة عن أن الموسيقى أداة فعالة تخدم الطب والأطباء وتدخل كعنصر مهم لعلاج الاضطراب في إيقاع الجسم، فالاسترخاء بواسطة الموسيقى، وتحقيق نسبة معينة من التوافق بين التنفس وسرعة النبض من ١ إلى ٤، يفيد في حالات القلق التى تلعب دورًا مهمًا في أمراض الربو والشرايين التاجية وارتفاع ضغط الدم والصداع النصفى الشديد وغيرها من الأمراض.تُعالج صعوبة التنفس وتُقوى أصابع اليد، وقد تتغير حركة الإيقاع في الجسم تبعا للحالة النفسية أو الإجهاد، مثل الشعور بالخوف أو الفرح، أو القيام بمجهود جسمانى كالجرى. ما يساهم الضجيج في اضطراب النبضات المنتظمة في الجسم، ويفقده الإيقاع.. في حين تعمل ضربات الموسيقى المنتظمة على استعادة الانتظام داخل الجسم، وإطلاق نشاطه بلا توتر أو اضطراب.. وفى هذه الحلقة نواصل الحديث عن استخدامات العلاج بالموسيقى.- الموسيقى في علاج القصور الحركى:القصور الحركى له مظاهر عديدة من بينها صعوبة أو عجز حركة الساقين أو الذراعين.أسباب هذا المرض قد تكون ناتجة عن شلل في بعض المراكز الحيوية بالمخ، أو نتيجة لشلل الأطفال، أو تشوه خلقى بالعامود الفقرى، إلخ.ولأن الأصوات تولد الحركة، والطاقة العضلية تزداد بحسب قوة وطبقة المؤثرات الصوتية، فقد وجد الباحثون أن العوامل الموسيقية المختلفة لها تأثير قوى على العضلات.وباستخدام مختارات موسيقية كمؤثرات، لاحظ تارتشانوف أن للموسيقى تأثيرا قويا على النشاط العضلى، الذى يزيد أو ينقص حسب الأنعام المستخدمة.. ومن هذا المنطلق أشار بعض المتخصصين إلى أنهم قد لاحظوا أن للموسيقى فوائد مؤكدة لتنمية الحركة لذوى العاهات الجسمانية.وقد أكد ماك أليستر (Mc.Alister) ورون (Roan) وجيلاند (Gilland) والأخت جوزيفا (Sister Josepha) أن العزف على الآلات الموسيقية وسيلة لزيادة القوة العضلية والحركة المفصلية، وأنه في الإمكان زيادة الحركة أو قوة الاحتمال لجزء معين من الجسم وزيادة التوافق بين أجزاء الجسم المختلفة.أما الفوائد الاجتماعية التى تتيحها الموسيقى للمعوقين ولغير المعوقين فيمكن القول بأنها تختلف في الدرجة لا في النوع.تؤكد ألين (Allen) أهمية استخدام الأنشطة الموسيقية الجماعية لتنشيط العلاقات الشخصية بين الأطفال المعوقين، لأن هؤلاء الأطفال فرصتهم ضئيلة أو معدومة مع بعضهم البعض كجزء من مجموعة.فالأطفال الطبيعيون لهم طرق مختلفة لإطلاق عواطفهم.. أما الطفل المعوق فكثيرا ما يفقد الطرق العادية للانطلاق العاطفى.. وفى اعتقاد برونر (Bruner) أن الموسيقى وسيلة مؤكدة للتعبير العاطفى.إن بعض الفوائد النفسية للموسيقى لها قيمة خاصة عندما تطبق على المعوقين.. فمن الجوانب الخلاقة للموسيقى أنها تسمح بانفرادية في الأداء، مما يدفع الطفل المعوق جسمانيا للمساهمة في هذا الأداء بدرجة من النجاح.. وهذا بدوره يساعد على تعويض نقائصه الأخرى.. وبذا يزداد شعوره بالثقة في النفس والمسئولية، وقد أشار كلينجمان وبلستروم إلى قيمة الأداء الموسيقى في مجال التعويض.. فهى تعمل على تمرين أجزاء معينة من الجسم. فالعزف على البيانو، مثلا، يساعد على فرد وثنى الأصابع في حالة قصور حركة الأصابع، كما أن العزف على الهارمونيكا يساعد على التحكم في اليدين (القبض والبسط) وتحريك اليد إلى مسافة قريبة من فم.. كذلك فإن تلك التمارين العزفية تعطى دفعة لنفسية الطفل المعوق، حين يشترك في الموسيقى الجماعية، حيث يشعر أنه عضو هام في الجماعة، وأنه يسهم بنشاطه كالآخرين، مما يخلق لديه الشعور بالثقة في النفس والقيمة الذاتية.ولقد أشار أيضا الباحثان كلينجمان وبلستروم إلى حالة كان فيها عزف الآلة الموسيقية موجها إلى هدف نفسى.. إذ كانت فتاة تنتهى ذراعها اليمنى عند الرسغ، واليسرى عند الكوع، وقد تعلمت العزف على آلة الترومبون (Trompone) والتى صنعت بطريقة تلائم عجزها، بحيث يمكن تحريكها بالقدم بدلا ن اليد.. وقد أدى الرضا والثقة في نفسها نتيجة ما حققته الفتاة من نجاح إلى محاولة العزف على البيانو، حتى بدون استخدام أطراف صناعية.. وقد استطاعت فعلا أن تعزف سوبرانو بسيطا وبعض أجزاء ألتو بهذه الطريقة.كذلك استخدمت آلات لتقوية عضلات البطن، كما استخدم العزف على البيانو لتقوية حركات مفصل الكتف واليدين والأصابع في حالات كثيرة. كذلك استخدام الضرب على الطبلة مع المصاحبة الموسيقية المرتجلة على البيانو.٢- الموسيقى في علاج الضعف العضلى:في عام ١٩٨٥ ظهرت دراسة تتناول أثر الموسيقى في علاج توتر العضلات.. وتشير إلى أن الموسيقى المهدئة خفضت درجة التوتر بنسبة ٩٩٪، بينما أدت الموسيقى المثيرة إلى نتائج عكسية تمثلت في زيادة حدة التوتر.ولقد توصل الخبراء إلى معرفة تأثير الآلات الموسيقية المختلفة على وظائف الحركة في الجسم، وكذلك تأثير الأشكال الموسيقية والغنائية على تحقيق نفس الهدف.ويمكن تلخيص أبرز هذه الاكتشافات فيما يلى:(أ) العزف على الميلوديكا:حيث إن الصعوبات التنفسية لدى هؤلاء المرضى كثيرة، لذا يعطى هؤلاء المرضى تمرينات في النفخ على أمل أن يظلوا محتفظين بوظيفة عضلات التنفس.. ومن الأرجح أن أفضل آلة لتحقيق هذا الهدف هى الميلوديكا. ولما كانت هذه الآلة تعمل بواسطة مفاتيح كأصابع البيانو بدلا من القرب، فإنها تساعد على تقوية الأصابع.(ب) العزف على الهارمونيكا:يفيد التنفس والبلع، كما يزيد الطاقة الحيوية والثقة بالنفس.(جـ) أداء الإيقاع الحركى:يؤدى إلى تقوية توافق حركات الأطراف الأربعة، وبالنسبة للمقعدين يستفاد من الحركات الإيقاعية لليدين.فهذا النوع من النشاط يفيد التحرك لأنه يعمل على شد وإرخاء وتوازن العضلات وتوافق حركات الجسم، علاوة على أنه ينمى موهبة الخلق والقدرة على التركيز والخيال والموازنة والتذوق السليم والتعاون مع الآخرين في حالة الإيقاع الحركى الجماعى، كما يفيد التنفس.(د) العزف على آلات الفرق الايقاعية:يستخدم الطبل كوسيلة لإطلاق الضغط العاطفى لهؤلاء المرضى، بدلا من كبته أو ظهوره في صورة أقوال أو أفعال عدائية.كما يستفاد من آلات الفرق الإيقاعية عموما لمرونة العظام عند المشلولين وغيرهم.(هـ) التعبير عن موسيقى الدراما:إن نوع الأوبرا التى تعطى موسيقى ورقصات ودراما وفنا وملابس وماكياجا، أثبت أنه أفضل ما يلائم مرونة العضلات عند الأطفال والكبار.الرقص بالكراسى ذات العجلات والسير والمشى بالعكاكيز على الموسيقى. يساعد هذا النشاط أيضا على تقوية العضلات الضعيفة.(ز) العزف على الجيتار والمندولين والكمان:يساعد على تقوية عضلات اليد والأصابع وتوافقها الحركى.(ح) العزف على الأوتوهارب:هذه آلة سهل الاستعمال وتعطى الفرصة لثنى وفرد الرسغ، مما يؤدى إلى تقوية العضلات.أحيانا يكون علاج الضعف العضلى بالموسيقى هو العلاج الأساسى وأحيانا أخرى يكون عاملًا مساعدا للعلاجات الأخرى، وهذا يتوقف على نوع العجز لدى المريض وعلى توجيهات الطبيب المعالج.٣- العلاج بالحركة المصاحبة للإيقاع الموسيقى:سبق أن ذكرنا أن الموسيقى تستطيع إثارة مشاعر متباينة، لأن تأثيرها على الإنسان أعمق من مجرد خلق الإحساس بالنشوة، أو الحزن، أو التأمل. فردود الفعل النفسية لأنغامها تؤثر على أعضاء الجسم.ومنذ أقدم العصور، اكتشف الناس العلاقة بين الحركات الإيقاعية والرقص، وبين علاج الأمراض. وإن كان السبب العلمى لهذه العلاقة لم يكن معروفا بطبيعة الحال.فالرقص الإيقاعى معناه حركة الجسم مع الموسيقى في ظل إيقاع محدد. وبتأثير هذه الحركة الإيقاعية تظهر ردود الفعل على الجسم الإنسانى كله، وبصفة خاصة على الجهاز العصبى.والواقع أن للحركات الإيقاعية فوائد كثيرة، أكدتها التجارب العملية الحديثة. فهى تساهم في التنسيق بين إمكانيات الجسم البشرى، وتنمى ثقة الإنسان بقدارته ونشاطه الإبداعى، فضلا عن دورها الهام في العلاج.وحسب تعبير رادين (Radin)، فإن التأثير العظيم للموسيقى بالنسبة للإنسان البدائى يتمثل في كونها الرمز الأكبر لقوة الكاهن أو الطبيب القديم، وذلك بسبب الاعتقاد بقدرته على السيطرة على الأرواح التى تجلب المرض.. فعندما تغضب الأرواح، وتترجم غضبها في صورة أمراض مختلفة، حينئذ يكون الرقص والموسيقى من أهم عناصر العلاج.وهناك أسلوبان للعلاج عن طريق الحركة المصابة للإيقاع الموسيقى.. أسلوب بدائى قديم يمثل خرافات الماضى، مثل أسلوب «الزار»، وأسلوب حديث يعتمد على الدراسات والتجارب العلمية، مثل أسلوب «أميل جاك دالكروز».ورغم كل انتصارات العلم الحديث في مختلف المجالات، فإن بقايا الماضى مازالت تفرض نفسها على الحاضر.. فوجود الصيدليات المعبرة عن أحدث طرق علم الدواء لم يمنع قطاعات واسعة من المواطنين من البحث في دكاكين العطارين عن دواء لأمراضهم.وتقدم علم الجراحة إلى حد النجاح في عمليات زرع الأعضاء لم يستطيع كليا إبعاد حلاق القرية عن ممارسة نفوذه القديم في بعض قرأنا.وتقدم طب أمراض النساء والولادة لم يمنع بعض الناس من الاستنجاد «بالداية» لمساعدة وإنقاذ المقبلة على الوضع.بل إن وصول الإنسان إلى القمر، بفضل تقديم علم الفلك وتكنولوجيا الفضاء، لم يطور من حياتنا بعد نفوذ المنجم والإيمان بقدرته على معرفة خفايا المستقبل عن طريق التطلع لحركات النجوم والكواكب، تلك الحركة التى هى من أولى اختصاصات علم الفلك الحديث.وهذه الأمثلة تعبر عن حقيقة مهمة، وهى أن القديم والجديد يتواجدان ويتعايشان، أو يتصارعان، جنبا إلى جنب، رغم انتماء الأول القديم إلى عصر ما قبل العلم، وانتماء الثانى إلى عصر الفضاء والذر والحاسبات الإلكترونية.العوامل الموسيقية تُنمى الحركة لذوى العاهات الجسمانيةاستخدمت آلات لتقوية عضلات البطن كما استخدم العزف على البيانو لتقوية حركات مفصل الكتف واليدين والأصابع في حالات كثيرة.. كذلك استخدام الضرب على الطبلة مع المصاحبة الموسيقية المرتجلة على البيانو.

مشاركة :