أوضح الدكتور عبدالله الغذامي أن المدون لا يقص، وأن آلية الورقة والقلم هي قتل للنص القصصي، مشيراً إلى أن التدوين يخص النخبة في المجتمعات القديمة، مجتمعات الثقافة الرجولية، إذ إن المدون يستحضر ثقافة الطبقة التي يدون من أجلها، فيصوغ كتابته بناء على النمط الثقافي لهذه الطبقة أو المجتمع، فتتدخل عناصر كثيرة لتغيير الرواية، لأن الرواية ليس لها من يحرسها، وليس لها بحسب تعبيره أبٌ ولا أم، مستشهداً بـ«ألف ليلة وليلة»، وما أورده الميداني والجهيمان، وأننا لا نعرف تحديداً من ألف ما فيها من قصص شعبية، وأننا لا نعرف صاحبها، فإذا جاء المدون الذي شبهه الغذامي بالمندوب الرسمي للثقافة ليدون قصة، فكأنه يأخذ فتاةً لا أب لها ولا أم، فيصبح أباها وأمها، بخلاف الشعر الذي يحرسه صاحبه الذي قاله أو من يشايعونه. وقال الغذامي في محاضرته التي ألقاها في نادي الطائف الأدبي مساء الإثنين الماضي وعنوانها: «ماذا لو أن الأستاذ شناً لم يوافق الآنسة طبقة»، إن ما جرى لقصة شن وطبقة شيء يشبه لهذا، واصفاً الثقافة بالمؤلف الكبير التي تمرر معانيها ورمزياتها التي لا تريد أن تعلنها فتمررها تحت غلاف الحكايات والقصص والأمثال والألغاز والنكات، ثم أورد قصة شن وطبقة برواية الميداني في مجمع الأمثال، لافتاً إلى أن قصة شن وطبقة تعتبر لغزاً لأنها لا تشابه قصة قيس وليلى أو جميل وبثينة، فشن وطبقة ليست أسماء متداولة، إذ أورد روايات لمدونين مثل الأصمعي وأبو عبيدة وابن الكلبي حول رواية شن وطبقة، وأنها قتلت بتدوين هؤلاء الثلاثة ومحاصرتهم لأنهم يمثلون الثقافة الذكورية، التي لا تريد رواية مثل رواية الميداني التي تمجد المرأة وتمتدحها وتظهرها بمظهر العاقلة المفكرة والعبقرية المخبوءة داخل بيت بعقلها الراقي، فإذا نزعت عنها هذه الرواية تبقى طبقة في منطقة النسيان والجهل والغفلة الثقافية، لأن القصة في رواية الميداني تشاغب كل تصور عن الأنثى، والتي من الممكن أن تكون حكيمة ومتعلمة. وذكر المحاضر أنه تعرف على قصة شن وطبقة وهو صغير عبر رواية شعبية جمعت ثلاثة عناصر زائدة على رواية الميداني كان يرويها له خاله أثناء خروجهما في نزهة على الحمار إلى وادي الرمة بالقرب من عنيزة، وهي أن طبقة متعلمة وكنز عقلي وثقافي وأنها منظمة ومرتبة ونظيفة، وأنها ليست خارقة الجمال، لكنها عاقلة وحكيمة، فالنص في الرواية الشعبية الذي وصف طبقة بالجمال المتوسط والعقل الكبير هو أول ملمح يقرر حقوقاً إنسانية للمرأة وأنها عقل وليست جسداً، ما يعني أن التراث الشعبي هو تراث إنساني يضع عناصر إنسانية بخلاف المدون الذي يزيح هذه العناصر، إذ إنه لن يقبل فكرة أن المرأة متعلمة. وعرض بعض النظريات القديمة مثل نظرية ليتش، مشيراً إلى أنها متطابقة مع نظرة كل المجتمعات القديمة للمرأة بخلاف الرواية الشعبية، التي بها الكنز الرمزي لأية ثقافة، إذ وصفها بالكنز الحقيقي الذي يحتاج للبحث عنه، لأن الكنز لا يصبح كنزاً إذا كان مكشوفاً على وجه الأرض، بشرط ألا يتدخل المدون فيها. وشهدت المحاضرة التي أدارها الإعلامي عبدالعزيز قاسم، حضور عدد كبير من المثقفين والمهتمين. وفي المداخلات سأل عضو مجلس إدارة نادي الطائف الأدبي أحمد الهلالي، سؤالاً عن رأي الدكتور الغذامي حول الهوية الخاصة للمجتمع السعودي، وسؤالاً عن كيف يوائم بين صورتي مساواة المجتمع المرأة بالرجل في العقل والحكمة وعن تهكم المجتمع بالمرأة الكبيرة في السن في المثل الشعبي «ما عنده ما عند جدتي». وقال الشاعر أحمد البوق إن محاضرة الغذامي اتسمت بالإيجاز «الذي يشبه تقليب الجمر في موقد التراث»، فيما اعترض الدكتور فهد الجهني، من جامعة الطائف، على مصطلح الفقه النسائي الذي أطلقه الغذامي، ثم تحدث مدير جمعية الثقافة والفنون بالطائف فيصل الخديدي عن علاقة الفن التشكيلي بالنسق الثقافي. من جهة أخرى، قالت الدكتورة أمل القثامية إن جميع الحاضرات سجلن أسماءهن بنهاية التأنيث، وكان من أبرز المداخلات من الصالة النسائية مداخلة الشاعرة خديجة السيد، التي سألت الغذامي عن تعليقه على ما يعرف عن تصادمه مع التيار الديني وانفعاله مع التيار الحداثي، وسألته أيضاً عن التقاطع بين شخصيته وشخصية حمزة شحاتة، ثم طرحت العديد من الأسئلة المكتوبة وأجاب عنها المحاضر واختتم المداخلات رئيس النادي عطا الله الجعيد، مشيراً إلى أنه عاش منذ إعلان عنوان المحاضرة قلقاً ثقافياً من خلال اتصالات وتساؤلات عدة حول عنوان المحاضرة وتأنيث اسم الدكتورة أمل القثامية، مبدياً سعادته بالحضور الكثيف الذي حضر لهذه القامة الفكرية والثقافية. وطرح الجعيد تساؤلاً وجهه للمحاضر حول ما تبناه منذ سنوات تحت مسمى «مسكني» للقضاء على أزمة السكن في السعودية. وفي ختام المحاضرة، قام رئيس النادي بتكريم الدكتور الغذامي ومدير الأمسية الإعلامي عبدالعزيز قاسم بدروع تقديرية، كما قامت عضو مجلس الإدارة بالنادي أحلام الثقفي بتكريم مديرة الأمسية الدكتورة أمل القثامية بدرع تذكارية. وفي المحاضرة، سيطر موضوع تأنيث لقب أمل القثامية الذي أطلقه الدكتور الغذامي على السيدات الحاضرات في القسم النسائي، إذ قدمن أنفسهن بألقاب مؤنثة، ما أثار حماسة وتصفيق الحضور. وللمرة الأولى منذ سنوات طويلة اكتظت قاعة النادي بالحضور، إذ بلغ عدد الحاضرين أكثر من 200 من الرجال والنساء. وشهدت المحاضرة عدداً كبيراً من المداخلات، ما اضطر مدير المحاضرة إلى تجاوز الوقت المقرر للمحاضرة بساعة كاملة، على رغم ذلك تبقى الكثير من الأسئلة التي وعد الغذامي بالإجابة عنها لاحقاً على حسابه في «تويتر». وأشاد الغذامي وقاسم بالدور الذي يقوم به نادي الطائف الأدبي الثقافي في اكتشاف المواهب الشابة في المجال الثقافي والإبداعي، واستعرضا تجربة الشاعر أمين العصري عن ديوانه «عازف الليل» الذي طبع أخيراً في النادي، وكذلك تكريم الناقدة جميلة العبيدي الفائزة بجائزة الشارقة للنقد. وبعد ختام المحاضرة، استطاع «أدبي الطائف» أن يعقد ندوة أخرى للغذامي مع محبيه في المنتدى الثقافي الذي افتتح أخيراً.
مشاركة :