الاعتراف بالخطأ فضيلة، أما التراجع الخجول للإدارة الأمريكية عن تسويق تقريرها حول اغتيال جمال خاشقجي، رحمه الله، فهي خطوة ناقصة. التقرير حفنة من ترهات هدفها الفاشل تقويض أمن واستقرار المملكة العربية السعودية. تقرير الإدارة الأمريكية اعتمد على استنتاجات ظنية وفرضيات بدون أدلة. المملكة اتخذت كل الإجراءات القضائية للتحقيق مع المجموعة المتهمة بالجريمة وصدرت بحقهم أحكام نهائية. رحبتْ أسرة خاشقجي بالأحكام وأنتهى الأمر، إلا أن التقرير الأمريكي صمم على توجيه الضمير العالمي للاتجاه المعاكس. تناولت الصحافة الصفراء التقارير الإنشائية والأقاويل المرسَلة ضد المملكة بدون قرينة أو برهان. النتيجة حلقة مُفرَغة ومفردات ظنية واستنتاجات هزيلة لا صفة لها أو قيمة. ظن الخائبون أن السعودية ستُصبح في مرمى الحجر بغض النظر عن الحيثيات القانونية للقضية. بالمقابل، لم تتم محاسبة القوات الأمريكية التي اغتصبت مئات النساء بعد معركة أوكيناوا باليابان سنة 1945. آخر تخبطات واشنطن رفع الحوثيين عن لائحة الإرهاب. نعم، أقصد الحوثيين الذين أطلقوا على السعودية 348 صاروخاً بالستياً، و 530 طائرة مسيرة مفخخة، و 60 زورقاً مفخخاً، وزرعوا 204 لغماً بحرياً، والنتيجة مكافأتهم بشطب سجلهم من قائمة الإرهاب. لا غرابة، فسجل الولايات المتحدة حافل بجرائم قتل وتعذيب وتشويه بشعة ضد الإنسانية في كمبوديا، وفييتنام، والفلبين، والعراق، وفي الحرب الكورية. منذ اليوم الأول لاغتيال خاشقجي، جاء التعامل السعودي واضحاً؛ الحادثة عمل إجرامي ضد مواطن سعودي. سياسة الرياض تقوم على الحقائق وليس على الإدعاءات الهلامية والأحلام. التقرير الأمريكي محاولة يائسة لتسييس جريمة جنائية عبر اكذوبة هدفها ضغوط سياسية رخيصة. كان الأولى بواشنطن الاعتذار عن إبادة عشرات ألوف الهنود الحمر، وقصف معمل الشفاء للدواء في السودان، وحرق الأطفال بالقنابل في غواتيمالا. المملكة دولة ذات سيادة لا تهتز بالتهديد أو الوعيد، ولا تتراجع بسبب أقاويل مُرسَلة بدون بُرْهان أو بَيِّنَة. جاء الرد السعودي بحقائق حاسمة تثبت زيف التهم الباطلة. السعودية ليست بحاجة للدفاع عن نفسها، فقيادتها وشعبها بذلوا الغالي والنفيس في سبيل مكافحة التطرف. المملكة رفضت رفضاً قاطعاً ما ورد في التقرير من أكاذيب مسيئة وتلميحات اهترأت من كثرة ترديدها. التزمت الرياض بتنفيذ القانون، وخضع الجناة لمحاكمة حضرها ممثلون من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، ومنظمات حقوقية وممثل تركيا وأبناء المواطن خاشقجي. اتخذت الدولة كل الإجراءات لمحاسبة المتورطين في القضية عبر قضاء مستقل مشهود له بالإنصاف والنزاهة. تم إجراء التحقيقات والمحاكمات، وأثبتت السعودية تمسكها بسيادة القانون ومحاسبة من اقترف الجريمة. بالمقابل، نقضت واشنطن جميع الأعراف والقوانين بقصفها مدينتي هيروشيما وناجازاكي بقنبلتين نوويتين أدت لوفاة وتشويه مئات الوف اليابانيين المدنيين في الحرب العالمية الثانية. نتائج الحكم القضائي فضحت شلة المتآمرين الذين جيشوا الاصطياد بالمياه العكرة. فشلت “الدولة العميقة” وفشل المحرضون وفضائيات الكذب البعيدة والقريبة، وتغلب الحق والعقل على الحيل الباطلة. حاول الفاشلون على مدى عامين متتاليين زلزلة ثقة العالم بنا، فما نالوا إلا الفشل والهزيمة وتراجعوا عن تصريحاتهم المشبوهة. علاقة السعودية مع واشنطن لا يحكمها تقرير منحرف بقلم موظف في الخارجية الأمريكية، بل هي شراكة تاريخية متينة. منذ لقاء المؤسس الملك عبدالعزيز بالرئيس الأمريكي روزفلت والعلاقات السعودية الأمريكية الاستراتيجية ثابتة. ورغم اختلاف وجهات النظر في بعض الأمور، إلا أن التاريخ الذي يجمع الرياض وواشنطن قائم على الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة. وكما أن السعودية لا تتدخل في شؤون الآخرين، فهي أيضاً لا تسمح لأحد بأن يتدخل في شؤونها. لسنا بحاجة لمِنة أو هبة، ولا ننتظر إدانة أو تبرئة. أما التهديدات المُبَطَنَة “بإعادة ضبط” علاقاتكم مع الرياض، فالأبواب مُشَرَّعة لنا في أوروبا والصين وروسيا وغيرها. تعزيز العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة ضرورة لمواجهة التحديات المشتركة، ولكن هذا لا يعني التعالي على السعودية بغض النظر عن إنتماءات الرئيس الأمريكي أو المؤسسات الرسمية. نحن نرفض أي محاولة لاستغلال قضية قتل جمال خاشقجي رحمه الله وخاصة من المنظمات الحقوقية التي تمتهن الفبركة، فالتقرير الهزيل بُنِي على الظن والاستنتاجات الواهية. لن نسمح لكم بالتدخل في شؤوننا الداخلية، فنحن دولة قانون ومؤسسات وازنة في محيطها، ومعتدلة في سياساتها. الآن وقد أوضحت السعودية موقفها الثابت والمؤكَد، عليكم أن تتذكروا رد الملك فهد رحمه الله، عندما تطاول سفيركم بألفاظ خارجة عن الدبلوماسية، فتم طرده من الرياض. ليس لدينا ما نخفيه أو نخشاه، ولا ننتظر تبرئة من أحد، فدولتنا وقضاؤنا وقرارنا خطوط حمراء، لا تنحني لتهديد أو وعيد أو اتهامات.
مشاركة :