بقدر ما كان مؤلماً فقد كان الخبر المتعلق باستشهاد 45 جندياً من جنود الإمارات البواسل في اليمن باعثاً على الفخر والاعتزاز.فها هي دولة الإمارات العربية الفتية التي دأبت على العطاء لأمتها في سائر الميادين، تُعطي هذه المرة أغلى ما تملك من خيرة أبنائها، الذين هبّوا لتلبية نداء الواجب في اليمن الشقيق استجابة لدعوة القيادة الحكيمة ولدعوة الشرعية اليمنية، ومشاركة للإخوة اليمنيين في مواجهة زمرة الانقلابيين الذين عاثوا فساداً ووبالاً، ولم يكتفوا بذلك بل هددوا استقلال اليمن وسيادته بأفدح المخاطر، وذلك عبر فتح الأبواب لقوة إقليمية أجنبية، كي تتخذ من أرض سبأ وبلقيس منصة للتدخل في الخليج العربي والعبث بأمنه، والإخلال بالمعادلات الإقليمية، والتضحية بهوية اليمن وعروبته، والنيل من النسيج الاجتماعي لشعبه عبر إشعال الفتن الداخلية والمذهبية. لقد أدرك العالم كله هذه المخاطر، وهو ما جعل مجلس الأمن يصدر قرارات تحمّل الانقلابيين مسؤولية ما حدث ويحدث على أرض اليمن. وعليه فإن معركة التحالف العربي في اليمن وفي القلب منه دولة الإمارات تكتسب شرعية متعددة الأبعاد، فهي تلبي حاجة اليمنيين لإحلال الأمن والسلام في ربوع وطنهم، ومن ناحية ثانية فإن هذه المعركة تمثل استجابة لنداء الشرعية في اليمن، ومن ناحية ثالثة فإن هذه المعركة تتماشى بصورة تامة مع مقتضيات الشرعية الدولية وقراراتها. وواقع الأمر أنه لولا اندلاع عاصفة الحزم بقيادة الشقيقة المملكة العربية السعودية وما تلاها من معركة إعادة الأمل، لكان اليمن الآن ينوء لا سمح الله تحت مخاطر السيطرة الأجنبية المقنعة بقناع الانقلابيين، ولكان النزاع الأهلي الداخلي قد أخذ مداه، ولكانت الفتنة تذر بقرنها على حياة اليمنيين واجتماعهم ويومياتهم، ولكانت دول الخليج في وضع دفاعي محض أمام تهديدات سافرة لأمن دولها وشعوبها، وكذلك أمن الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة. ومن أجل جبه هذه المخاطر الوجودية الداهمة، فقد تداعت دول الخليج العربية مدعومة من دول عربية شقيقة لخوض معركة نصرة الأشقاء في اليمن، والدفاع عن حاضر المنطقة ومستقبلها، مع ما يتطلبه ذلك من إعداد دقيق ومن استعداد للبذل والتضحية، وهو ما كان. حيث امتزجت دماء الإماراتيين البواسل بدماء إخوتهم السعوديين واليمنيين والبحرينيين وسواهم من جنود أمتنا وشهدائها الأبرار. وكما كان منتظراً ومحتماً فإن الثمن الغالي الذي دفعته الإمارات عن طيب خاطر، لم يثنها قيد أنملة عن مواصلة معركة الشرف والصواب الاستراتيجي، ومواصلة المعركة بالتعاون الوثيق مع الأشقاء بعزيمة أشد، وبصلابة لا تلين، وهو ما يدلل عليه التقدم الملموس في المعركة وانتقالها إلى عقر دار الانقلابيين وأوكارهم في عمق اليمن، وعلى أبواب صنعاء العربية الخالدة عاصمة اليمن السعيد. كما يدلل على ذلك ثقة اليمنيين بالمعركة الشريفة التي يخوضها التحالف العربي رغم المعاناة من الأعمال الانتقامية التي يقترفها الانقلابيون بحق المدنيين، وقد كان هذا دأبهم طوال أيام المعركة، بل في ما سبقها من تطورات إذ إن محاولة إخضاع اليمنيين وترويعهم والتنكيل بهم، هو السلاح الوحيد الذي يمتلكه الانقلابيون ويستخدمونه على نطاق واسع، مما يثبت غربتهم عن مجتمعهم، وما يحملونه من مشاعر عداء وضغينة ضد سائر مكونات المجتمع اليمني في سائر المناطق في الشمال والجنوب. أجل ها هي تقارير الأنباء من مختلف المصادر تجمع على أن معركة تحرير صنعاء على الأبواب، وأن استشهاد جنود الإمارات البواسل إلى جانب أشقائهم الشهداء، قد فتح الطريق بالفعل من مأرب إلى صنعاء، وأسهم في رفع معنويات المقاتلين اليمنيين، ووجّه أنظارهم نحو صنعاء، على طريق حسم المعركة، وإخراج الانقلابيين والزمرة التي تظاهرهم من معادلات الصراع على الأرض كي يعود الشعب ومعه القوى الوطنية والشرعية للإمساك بمصيرهم بعيداً عن التدخل الأجنبي، بما يجعل من معركة الشرف هذه معركة تجديد استقلال اليمن، وتعميق هويته العربية، واستعادة الوحدة الوطنية بين أبنائه وكما كان عليه الحال طوال قرون غابرة، قبل ان تأتي حفنة الانقلابيين المغامرين كي تعيث فساداً وتعمل على تهتيك النسيج الاجتماعي، وقطع روابط اليمن الخليجية والعربية واستتباعه لقوة اقليمية بما يبدد تضحيات اليمنيين عبر التاريخ. لكن مكر الانقلابيين ومن ولاهم ارتد إلى نحورهم. فالوطن اليمني ليس سلعة تباع في أسواق النخاسة السياسية، بل هو مهوى أفئدة ابنائه وقطعة من أرواحهم، وقد صدق رهان اليمنيين على أشقائهم، الذين لم يتأخروا عن تلبية نداء الواجب لنصرتهم، رغم ما كان يبدو على المعركة المرتسمة في الأفق آنذاك من محاذير ومخاطر. وهو ما تسبب حينها بمفاجأة من العيار الثقيل للانقلابيين وما تبعها من صدمة عسكرية، ومن انجازات متوالية حققها التحالف العربي إلى جانب قوات الشرعية والمقاومة الشعبية، التحالف الذي يقف الآن جنباً إلى جنب مع قوات الشرعية على أبواب صنعاء وأبواب الحسم النهائي للمعركة. لقد أضاءت دماء الشهداء الطريق وعبّدت الدرب نحو التحرير، وعمّقت روابط الأخوة والمصير المشترك، وأرست توأمة روحية بين الأشقاء، فهنيئاً لشهداء الإمارات والسعودية والبحرين الأبرار وهنيئاً لشهداء اليمن البواسل، فدماؤكم لم تذهب هدراً، ولا بد من صنعاء ولو طال السفر، وإلى أن تستعيد عاصمة اليمن السعيد كامل حريتها وترفل بالأمن والسلام. mdrimawi@yahoo.com
مشاركة :