حتى لا تكون تونس دولة معزولة في محيطها

  • 3/16/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

حتى لا تكون تونس دولة معزولة في محيطها الحبيب الأسودعلى التونسيين أن يدركوا أن حل مشاكلهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية يبدأ من الداخل، وليس برمي وزر خسائرهم على الآخرين، بدل إعادة النظر في خياراتهم الفاشلة.هل تعود تونس إلى تحديد بوصلتهاعندما تضطر وزارة الخارجية التونسية في كل مناسبة إلى محاولة توضيح موقف الدولة من تصريحات منفلتة لمسؤولين سابقين أو ناشطين سياسيين أو محللين في منابر التلفزيون، فذلك يعني أن خللا حقيقيا يضرب ما توصف منذ عشر سنوات بالديمقراطية الناشئة. فإما أن تكون تونس ديمقراطية حقيقية وتتحمل الدولة جميع مسؤولياتها، بما في ذلك المتعلق منها بحرية التعبير، أو أن تضبط إيقاع وسائل إعلامها، وتقيم رقابة جدية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحاول أن تحول دون الوقوع في تلك المطبات التي تسيء لعلاقاتها، لاسيما مع الدول العربية، وأن يكون ذلك من منطلقات مبدئية واضحة، لا من مجرد حسابات انتهازية مصلحية فجة يتم اعتمادها فقط عندما يتعلق الأمر بالجزائر وليبيا.إن مشكلة تونس منذ العام 2011 هي الانفلات الكامل في التعامل مع المصالح العليا للدولة، والسبب أن الوافدين الجدد على المشهد السياسي وعلى إدارة الحكم حاولوا توجيه شراع العلاقات الخارجية وفق سياسة المحاور التي تم تكريسها بمنطق من يقف مع ما سميت ثورات الربيع العربي ومن يقف ضدها، ثم من يقف مع الإسلام السياسي ومن يقف ضده، وكان واضحا أن الأحزاب العقائدية الإخوانية والماركسية والقومية تعمل على الانقلاب على ثوابت الدولة الوطنية بما في ذلك دبلوماسيتها التي كانت تتميز بالحكمة والهدوء في التعامل مع المحيطين العربي والدولي.أغلب التصريحات المنفلتة هي تلك الصادرة عمن يطلقون على أنفسهم صفة الخط الثوري، ذلك الذي لم يدرك بعد أن الدولة غير الثورة، وأن الثورة نقيض الدولة، وأن مصلحة البلاد تتطلب عقلنة المواقف، وأن الكلمة مسؤولية جسيمة لاسيما عندما تصدر عن شخصية اعتبارية، أو من منابر رسمية، أو في مواقع يمكن للسلطات التحكم فيها.إن الانفلات في التعبير هو وليد انقلابات طالت كل المجالات، وحول البلاد إلى جزر سياسية واجتماعية وإعلامية متناقضة منذ أن دفع الإسلام السياسي بالبلاد إلى صراع المحاور، وتبنى مشروع الإخوان في المنطقة، واندفع في العام 2011 إلى دعم مسارات الفوضى الخلاقة، وبشّر بأنها ستعم كافة دول المنطقة من المحيط إلى الخليج، وظن أن اندلاع الشرارة من تونس سيعطيها الأفضلية إقليميا ودوليا، وسارع إلى الحكم لجني الثمار، ووضع كل البيض في سلة القوى الغربية وخاصة الأميركية التي كانت تقود معركة التغيير الفوضوي في بلاد العرب، واعتبر أن قطر وتركيا هما من تمتلكان الحقيقة وتديران الصراع وتتجهان نحو كسب الرهان، لتكون النتيجة عزلة تونس بسبب فشل كل الرهانات، حتى أن علاقاتها مع أغلب الدول العربية اليوم لا تتجاوز أنها علاقات دبلوماسية من باب المجاملات الفاقدة لحرارة التعاون البيني والتضامن الأخوي. مشكلة تونس منذ عام 2011 هي الانفلات الكامل في التعامل مع المصالح العليا للدولة والسبب أن الوافدين على المشهد السياسي وعلى الحكم حاولوا توجيه شراع العلاقات الخارجية وفق سياسة المحاورعادت قطر إلى محيطها الخليجي، حتى وإن كان ذلك بمصداقية مشكوك في جديتها. وتحاول تركيا بكل الوسائل فتح جسور التواصل و”التطبيع” مع مصر والسعودية والإمارات، بحثا عن مصالحها. واتفق الليبيون على تجاوز حرب السنوات العشر. وطوت مصر صفحة الإخوان. وبقيت تونس كما أراد لها السياسيون الهواة معزولة في محيطها تبحث عن نصيب من كعكة إعادة الإعمار في جارتها الشرقية؛ خصوصا في المنطقة الغربية الأقرب إليها بمنطق التاريخ والجغرافيا والوشائج الاجتماعية. لكن أردوغان سبقها إلى ذلك، ودفع بشركاته واستثماراته تحت غطاء قواته ومرتزقته، وحتى بمنظمة “تيكا” المخابراتية التي ترى أن أزمة الفقراء في الدواخل التونسية قد تنتهي ببعض الدجاجات والديكة التي توزعها عليهم.من حق الليبيين أن يحددوا مصالح بلادهم وفق التوازنات الإقليمية والدولية ووفق تطلعاتهم نحو مستقبل أفضل بعد سنوات الدمار والخراب. وعلى التونسيين أن يدركوا أن حل مشاكلهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية يبدأ من الداخل، وليس برمي وزر خسائرهم على الآخرين، بدل إعادة النظر في خياراتهم الفاشلة التي كرسوها خلال السنوات الماضية، والتي جعلت مصالح الجماعة فوق مصالح المجتمع، وحسابات الحزب أو الحركة فوق حسابات الدولة، ومنطق المحاصصة فوق مبدأ الكفاءة في إدارة شؤون الحكم، والتي حولت الفساد في كافة مناحي الحياة إلى نمط اجتماعي سائد.تتحدث تونس اللغة العربية التي تشترك فيها مع 20 دولة أخرى، وبدل أن تجعل منها جسرا للتواصل الإيجابي مع الأشقاء، حولتها سواء بسوء التقدير أو بعدم الاكتراث، إلى أداة للانفلات التام في ضرب علاقاتها مع الأشقاء، مع حالة من الفخر والاعتزاز بأنها الديمقراطية الوحيدة المعترف بها دوليا في العالم العربي، وهو ما جعلها دولة معزولة في محيطها، تمر الأشهر دون أن يزورها وزير عربي، أو أن يسافر واحد من كبار مسؤوليها إلى عاصمة عربية للبحث في تعزيز التعاون وتوطيد العلاقات.عادة ما تكون الدول براغماتية وتفكر بمنطق المصلحة أولا، وهي بذلك فوق الجماعات والأفراد، فإذا وضعت مصالحها على ذمة أمزجة المتحكمين فيها ودخلت في لعبة الشعارات غير المجدية، ولم تفلح في قراءة المتغيرات الإستراتيجية الكبرى من حولها، فإن خسارتها عادة ما تكون جسيمة. ولا أحد يتمنى لتونس أن تكون من بين الدول التي أضاعت نفسها، يوم أفقدها أبناؤها بوصلة تحديد المواقع نتيجة خياراتهم الفردية وحساباتهم الحزبية والعقائدية.إن تونس أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تتصرف بمنطق الدولة فتندمج في محيطها وفي العالم من حولها، أو أن تتصرف بمنطق الأفراد وشعارات الأحزاب فتنتهي إلى عزلة لن تفلح في تجاوز تبعاتها، لاسيما وأنها باتت تفتقد إلى السند الواقعي والحقيقي إقليميا ودوليا.كاتب تونسي

مشاركة :