نحن بحاجة جادة وملحة وصادقة إلى إعادة قراءة أوراق الوطن وترتيبها، فقد أضاعنا وأضاع البلد معنا، حقاً، سلوك بعثرة الأوراق أو خلطها أو إهمالها أو تمزيقها وربما حرقها. فهناك أخطاء وتراجعات كبيرة بحق الوطن، تكشفها قراءة أوراق الوطن، ارتكبتها أو ساهمت فيها كل الأطراف، عن علم ودراية وإدراك، أو دون علم أو بلا قصد أو بسذاجة، وقد سُتِرَتْ حقائقها بمسلك غير حميد، تمثل بالمجاملة أحياناً، أو بالتغافل أحياناً، وبالتحالفات أحياناً ثالثة، أو بتفريط متعمد أحياناً أخرى. وقد انعكس كل ذلك بشكل مرعب على المسار العام للوطن، ورغم أننا ندفع اليوم ثمن تلك الأخطاء والتراجعات فإن هناك تجنباً واضحاً عن الخوض فيها وتناولها بشكل موضوعي ومحايد وصريح ومنطقي وبحس وطني مسؤول. وأعلم أن الخوض فيها وتناولها بالبحث والنقاش والتشخيص سيثير حساسية لدى البعث، وربما يثير حفيظتهم، بل وإطلاقهم التهم والانتقادات اللاذعة، لكل من يقترب منها أو يثيرها. إلا أن مصلحة الوطن تستوجب أن تطرح تلك الأخطاء على بساط البحث الوطني، حتى نخرج من دوامة التراجع والنكسات الوطنية التي مُنِيَ بها الوطن جراء التردد في التطرق لها وبحثها، واتباع مسلك دس الرؤوس بالتراب كما تفعل النعام، في حين أن أجسادها تتعرض لما يؤدي بها إلى الهلاك، وهو ما يشعرني بجسامة مسؤولية إثارة تلك الأخطاء والتراجعات دون تردد أو تأخير، حتى لا يستمر الوطن في دوامة اللاخروج والتقهقر المخيف. فالوطن، قد شهد تخلياً عن عقده الاجتماعي، الذي كان هو النظام الرضائي الذي يقيد سلوك كل من الحاكم والمحكوم. كما عاش الوطن نوازع التفرد من جهة، والشخصانية الأنانية من جهة أخرى، من قبل أطراف عديدة. وقد ساد الوطن صراع وهمي، بمنطلقات فكرية غير سديدة أحياناً، ولا فكرية إقصائية أو حزبية أحياناً ثانية، وبلا مبررات منطقية أحياناً ثالثة، وكانت نتيجتها الساطعة تراجع الوطن والنيل منه بلوغاً لإخفاقاته. وقد غاب المشروع الوطني الذي يرفع من شأن الوطن ويرتقي به، ويعزز تماسكه وينمّيه، من قبل جميع الأطراف، والذي يجعل من الاختلاف قوة لتنقية الوطن من الشوائب، كما هو في مجتمعات أخرى، حيث يكون الاختلاف سبيلاً لبناء الوطن لا هدمه. وقد تحولنا إلى بلد تروج فيه الخطب والاقتراحات، وتتسابق الحكومة والأعضاء في هذا الميدان بلا جدوى، لكونها فردية أنانية، فتقدم برامج وتصورات إنشائية، أو تقدم مقترحات استهلاكية شعبوية، فتقر قوانين ارتجالية أو قرارات لا تطبق على أرض الواقع، أو لا تضيف أية قيمة لبناء الوطن. ولعل بيان الأطراف المسؤولة عما آل إليه حال البلد، وإيضاح كيف كان لكل منهم أخطاؤه التي ساهمت في إخفاقات البلد وتراجعاته، والتي نحصد نتائجها المرة اليوم، أمر غاية في الأهمية، وما سأتناوله هنا هو اجتهادي وتقييمي الشخصي من واقع متابعاتي واطلاعي على ما حزت من معلومات ومشاهدات، وفي حدودها، لكنني لن أجامل أي طرف، ولن أخفي أية قناعة لدي بشأن ما أراه أخطاءً هم مسؤولون عنها. والأطراف التي سأتناولها من خلال إعادة ترتيب أوراقها وبلا استثناء هي: 1- أوراق الأسرة الحاكمة. 2- أوراق الحكومات المتعاقبة. 3- أوراق مجالس الأمة المتعاقبة. 4- أوراق المعارضة. 5- أوراق التيارات والقوى السياسية. 6- أوراق النخب السياسية. 7- أوراق التجار الوطنيين. 8- أوراق مؤسسات المجتمع المدني. 9- أوراق الصحافة والإعلام. 10- أوراق المواطنين والديوانيات. وكلي أمل أن تتم هذه المناقشة من خلال غايتها الوطنية الهادفة إلى تشخيص الحالة العامة التي يعيشها البلد، والدوامة الكؤود التي لم تخرج منها، منذ خمسة عقود، لوضع اليد على أهم مفاصل إشكالات البلد، لرسم مسار الخروج من الدوامة وتحديد معالم التغيير الوطني البناء والملح. وسيكون هذا الطرح بداية لحوار وطني بحس مسئول، بلا أحكام مسبقة، ولا شطط في العبارات، أو تعصب أو تشنج بالرأي، لبناء حوار مثمر ومفيد.
مشاركة :