نحن بحاجة جادة لإعادة قراءة أوراق الوطن وترتيبها، لقد أضاعنا حقاً سلوك بعثرة الأوراق أو خلطها أو إهمالها أو تمزيقها وربما حرقها. هناك أخطاء كبيرة تكشفها قراءة أوراق الوطن، ارتكبتها أو ساهمت فيها السلطة، لا باعتبارها أفراداً، بل باعتبارها سلطة إدارة للبلد وتملك زمام الأمور، فقد تخلت السلطة عن دورها المرجعي وموقفها الحيادي، حينما ساندت أطرافاً على أخرى، وأيضاً عندما قبلت أن يتم تقطيع المجتمع أوصالاً، من خلال إيجاد حالات اصطفاف معها أو ضدها، أو قل أيضاً، اصطفافاً مع أطراف فيها في مواجهة اصطفاف مع أطراف أخرى، فقسمت نفسها وأضعفت وحدتها وفرطت في تضامنها، لغايات سياسية ليست سديدة، وهو ما نال من مرجعيتها وأضعف مكانتها، وآن الأوان لنرفض استمرار مسلكها ذاك حفاظاً عليها، وإن لم تقبل هي أو أطراف فيها ذلك، فاستقرارها هو استقرارنا، وقوتها هي قوتنا ووحدتها هي وحدتنا، وينبغي الإصرار على إعادة ترتيب أوراقها لمصلحة الوطن ومصلحتها في آن واحد. ولا شك في أهمية أن يتواكب مع إعادة ترتيب أوراقها موقفها من الدستور والمشاركة في إدارة شؤون الدولة، حتى تتخلى عن البحث في أوراق مبعثرة عن نظام مشيخة عشائرية، من موروثات القرن الماضي وربما الذي قبله. وتأتي إعادة فرز أوراق رئاسة الوزراء على رأس قائمة الأوراق التي تستوجب الترتيب، لتقبل حقائق النظام البرلماني، ومسؤولية رئيس الوزراء، وعدم التلازم بين منصب رئيس الوزراء وبين المناصب السيادية، فالأول هو حجر الزاوية في المسؤولية السياسية، فلا يجوز أن يكون شاغله مسبوقاً بلقب يتنافى مع أحكام الدستور، ولغرض نفيٍ مسبق للمسؤولية لمن هو محل المسؤولية. وترتيب الأوراق المبعثرة يستوجب، إما ترك السلطة لمنصب رئاسة الوزراء بعيداً عن الأسرة، أو التسليم بتداوله بين الأكفأ من أبنائها أو أبناء الشعب، على أن يترك رئيس الوزراء يتحمل مسؤوليته كاملة، تبعاً لأدائه دون تدخل في إدارته لشؤون الحكومة، وبلا حماية مفرطة على حساب مكانة السلطة ومرجعيتها ودورها الدستوري. وما يصح على وضع رئيس الوزراء يصح على الوزراء، بحيث يعاد ترتيب أوراقهم، فلا يتم تصوير المساءلة لأحد الوزراء على أنه تقصد أو ترصد بالسلطة، كما يُصوّر ذلك بعض المحرضين من خلال تعمدهم خلط الأوراق أو بعثرتها، حتى يقودوا الوضع في البلد لحالة من الصراع الوهمي، والذي يتم تصوير السلطة على أنها طرف فيه، وهي ليست كذلك، لأن مكانها ودورها في موقع مختلف وبعيد عن متناول المساءلة السياسية، والمبدأ القانوني الشهير معروف بأنه حيث تكون الصلاحيات تكون المسؤولية، فالسلطة بموقعها الدستوري تسود ولا تحكم، وهو جوهر نظامنا البرلماني وهو المقصود من تولي الأمير لاختصاصاته بواسطة وزرائه. ولابد أن يتم ضمن إعادة ترتيب أوراق السلطة وقف منح حماية أو تميز غير منطقي من قبل السلطة، أو اعتبار تولي البعض للمناصب العامة أولوية لهم على بقية أفراد الشعب، وهو ما شهدنا تزايده غير المنطقي في السنوات الأخيرة، ومن ذلك أيضاً مراجعة فكرة الأولوية العمرية واستبدالها بأولوية الكفاءات، والبدء ببرامج لتنشئة سياسية وقيادية، والتي ينبغي أن يلتحق بها كل من يقع عليهم الاختيار لمسؤوليات سياسية أو إدارية عامة مستقبلية. وسيكون مقالنا المقبل عن إعادة ترتيب الأوراق المبعثرة للحكومة.
مشاركة :