زيارة قيس سعيد إلى طرابلس تعيد الزخم إلى العلاقات الليبية التونسية

  • 3/17/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

طرابلس - أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد في لقائه بالمسؤولين في السلطة الليبية في طرابلس عن دعم تونس لمسار الانتقال الديمقراطي في البلد الجار، وبحث فرص إعطاء دفعة للتعاون الاقتصادي والتجاري المتعثر منذ سنوات بين البلدين. وشدد سعيّد في كلمة له خلال مؤتمر صحافي من طرابلس على "أن أهم ما في المرحلة التأكيد على استرجاع شعوبنا العربية في ليبيا وغيرها سيادتها كاملة"، مضيفا أن "الشعوب يجب أن تختار دساتيرها وما تريد". وتابع سعيّد "كما نحن في تونس نمر بمرحلة دقيقة، لكن حينما نصغي إلى رأي الأغلبية ونتعظ من الأخطاء وحينما نستشرف ونتشوف مستقبلا آخر مختلفا عن السابق سنجسد أحلامنا أو الجزء الأكبر منها". وحول زيارته إلى ليبيا، قال سعيد "تم الإعداد لهذه الزيارة منذ مدة طويلة، وبقينا نترقب إلى أن يتم انتخاب الحكومة الجديدة، إن شاء الله تكون حكومة مباركة لا على الشعب الليبي فقط بل على المنطقة كلها". ولفت إلى أن الطرفين ناقشا جملة من القضايا التي تهم البلدين، والتي تتعلق بالاقتصاد والتعليم والصحة، وتسهيل حركة مرور السلع عبر المعابر. وقال رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي "نحن لن ننسى وقفة الشعب التونسي معنا ونؤكد للرئيس على خصوصية العلاقات ووحدة المصير والمستقبل المشترك بين شعبينا وبلدينا". وأضاف المنفي "سنعمل معا على إعادة العلاقات لسابق طبيعتها في كافة المستويات". وبعد لقائه مع عبد الحميد الدبيبة نقل بيان للمكتب الإعلامي للحكومة عن الدبيبة تشديده على "أهمية تعزيز العلاقات في مختلف المجالات وخاصة الاقتصاد والصحة والنقل والتعليم". وثمن رئيس الحكومة زيارة الرئيس قيس سعيد ووصفها ب"التاريخية". واتفق الجانبان على أن يعقد خلال الشهر الحالي الاجتماع التحضيري للجنة العليا المشتركة. كما تم الاتفاق على تنشيط الغرف التجارية وتفعيل الاتفاقيات المبرمة بين البلدين في مختلف المجالات وتوقيع أخرى جديدة، والحرص على تيسير إجراءات العبور والتنقل للأشخاص وانسياب البضائع بين البلدين. وأشار الرئيس التونسي إلى مناقشة قضية صحافيين تونسيين فقد أثرهما منذ 7 أعوام. وقال في هذا الشأن "ناقشنا قضية نذير وسفيان ويشرف على قضيتهما النائب العام مباشرة أنا على يقين أن كل عنصر أو معلومة قليلة سيستغلها الأشقاء في ليبيا، للبحث عن الحقيقة حولهما". وتعهد كل من المنفي والدبيبة ببذل كل الجهود لمتابعة القضية والكشف عن مصير الصحافيين نذير القطاري وسفيان الشواربي الذي مازال مجهولاً، منذ سفرهما إلى ليبيا في مهمة صحافية عام 2014. و يرى متابعون أن زيارة سعيد تحمل في طياتها رسائل رمزية عدّة بالنظر إلى توقيتها والظرف الذّي تمت فيه. ووصف عثمان الجرندي وزير الشؤون الخارجية التونسي زيارة رئيس الجمهورية إلى ليبيا بـ"الهامّة"، مؤكّدا أنها "تعبير صادق عن مدى مساندة تونس لجارتها ليبيا". وقال الجرندي إن هذه الزيارة الأولى "سوف تفتح صفحة جديدة وتكون مؤشّرا لعلاقات مبنيّة على التعاون والتضامن والتواصل بين مختلف المؤسسات في البلدين"، مشيرا إلى أنها تحمل "رسالة كبرى للعلاقات العريقة وللمستقبل الواعد بين تونس وليبيا". وبخصوص المحادثات الثنائيّة والموسّعة بين سعيّد والمنفي ووفدي البلدين قال الجرندي إنها تطرقت إلى إعادة النظر في الاتفاقيات السابقة لتحديثها حتّى تكون مواكبة للتحدّيات، كما تناولت الاستحقاقات في المنطقة وضرورة تكثيف التنسيق بين البلدين بشأنها. ويعد سعيّد أول رئيس دولة يزور ليبيا عقب انتخاب سلطة تنفيذية جديدة بالبلاد في 5 فبراير الماضي. وتأتي زيارة سعيّد بعد منح مجلس النواب الليبي خلال جلسة في سرت الأربعاء الماضي الثقة للحكومة التي يرأسها عبدالحميد الدبيبة، بتأييد 132 صوتا من أصل 133 حضروا جلسة التصويت. واستضافت تونس نهاية 2020 مندوبين ليبيين اجتمعوا برعاية الأمم المتحدة في إطار ملتقى الحوار السياسي الذي أفضى إلى تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة في ليبيا. ويرى مراقبون أن زيارة سعيّد إلى طرابلس قد تقطع الطريق أمام رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي الذي طالما نازع الرئيس التونسي على صلاحياته الدبلوماسية، حيث كان زعيم حركة النهضة الإسلامية يعتبر أن له وصاية على العلاقة مع طرابلس التي ظلت لسنوات محسوبة على تيار الإسلام السياسي. وتعدّ ليبيا أحد البلدان المهمة في سياسة تونس الخارجية، حيث تجاورها من الغرب، وانعكست التطورات الأمنية فيها خلال السنوات الأخيرة على الاستقرار في تونس، وخاصة من ناحية المسلحين التابعين لتنظيم داعش الإرهابي الذين نفذوا أكثر من محاولة تسلل تصدت لها السلطات هناك. قبل زيارة سعيد إلى ليبيا نظمت مدينة صفاقس (جنوب شرق) كبرى المدن الاقتصادية في تونس ملتقى بين رجال أعمال ليبيين وتونسيين بهدف النظر في فرص الاستثمار ومشاريع إعادة الإعمار في ليبيا من قبل الشركات التونسية. وتشكل ليبيا شريكا تجاريا مميزا لتونس، إذ كانت قبل العام 2011 تستوعب الجزء الأكبر من إنتاج الصناعات الغذائية التونسية ومواد البناء. وتغذي ليبيا القطاع غير الرسمي في تونس الذي يستورد سلعا استهلاكية بخسة الثمن. ويعمل في ليبيا الآلاف من التونسيين إلا أن الإغلاق المتكرر للحدود عطل هذه المبادلات. وأضاف المصدر أن تونس ستبحث مع الجانب الليبي عودة العلاقات الاقتصادية بين البلدين بأكثر قوة، بعد فترة من البرود الذي ساد العلاقات الدبلوماسية في السنوات الماضية. ويرى متابعون أن هذه الزيارة تأتي بعد اضطراب في العلاقات الاقتصادية التونسية الليبية خلال عشر سنوات، وبعد تراجع الصادرات بين البلدين بنسبة 50 في المئة، ودخول 300 ألف تونسي البطالة منذ 2011 بعد أن كانوا يعملون في السوق الليبية. ووفق تقارير صندوق النقد الدولي فإن السوق الليبية تستوعب 70 في المئة من الصادرات التجارية التونسية المتنوعة. ويعد التبادل التجاري أمرا مهما لاقتصاد البلدين، والذي بلغ 1.2 مليار دينار تونسي (373 مليون دولار) في 2018. وأضرت الحرب الليبية بحركة الإنتاج في تونس بعد أن باتت لا تجد منفذا واضحا بسبب مشاكل غلق المعابر بين البلدين، وصعوبة استعمال الموانئ البحرية الليبية التي كانت مسخرة في الحرب. وأكدت تقارير البنك الدولي أن ليبيا تعتبر خامس أقوى شريك اقتصادي لتونس تاريخيا بعد دول الاتحاد الأوروبي فرنسا وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا، حيث تتجاوز معاملات تونس التجارية السنوية معها 3 مليارات دولار. وجاء في هذه التقارير أيضا أن أكثر من 1300 شركة تونسية تعمل في قطاعات تجارية متنوعة على رأسها العاملة في المواد الغذائية، ويتراوح رقم معاملاتها بين 50 ألف دينار (17.5 ألف دولار) وأكثر من خمسين مليون دينار (17.5 مليون دولار)، تعاني أضرارا فادحة جراء توقف التبادل التجاري مع ليبيا منذ 2011. وتمتد الحدود التونسية الليبية بطول 461 كيلومترا من أقصى الشمال إلى الجنوب، وهي مساحة كبيرة يستخدمها المهربون أحيانا في تهريب الوقود والبشر بين البلدين منذ اندلاع ثورات الربيع العربي.

مشاركة :