بعد مضي خمس سنوات على اتفاقية اللجوء بين الاتحاد الأوروبي وتركيا والذي أدى إلى خفض أعداد المهاجرين إلى أوروبا، تناقش الدول الأوروبية إمكانية تمديد الاتفاق أو تحديثه، وسط انتقادات واسعة لإهماله "مسألة حقوق الإنسان". الاتفاق أدى إلى انخفاض عدد المهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا. الصورة لمهاجرين على الحدود التركية اليونانية (أرشيف) في شهر أيلول/ سبتمبر من عام 2015، تسببت صورة الطفل السوري الصغير "آلان كردي" في صدمة واسعة في أنحاء العالم. وبعد ستة أشهر، وقع زعماء تركيا والاتحاد الأوروبي اتفاقاً خاصاً باللاجئين، تتلقى أنقرة بموجبه مساعدات سياسية ومالية مقابل التصدي للمهاجرين غير الشرعيين الذين يسعون لدخول دول الاتحاد. وأدى الاتفاق بالفعل إلى خفض أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا، وتلقت تركيا الجزء الأكبر من ستة مليارات يورو (15,7 مليارات دولار) خصصها الاتحاد الأوروبي كمساعدات لأنقرة بموجب الاتفاق. وعلى الرغم من ذلك، تقول أنقرة إن بروكسل لم تف بوعودها بتخفيف شروط منح تأشيرات الدخول للأتراك، وتوسيع الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي. ورغم انخفاض عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى أوروبا بشكل ملحوظ منذ توقيع الاتفاق، إلا أنه لم تتم إعادة سوى 2740 مهاجراً إلى تركيا، بينما استقبلت الدول الأوروبية 28621 مهاجراً من تركيا في إطار الاتفاقية، وهو أقل مما كانت قد وعدت به. اليوم، وبعد خمسة أعوام، وصل الاتفاق إلى مفترق طرق، ففي حين تدعو تركيا إلى تجديده، تناقش دول الاتحاد الأوروبي حالياً الشروط التي يمكن بموجبها استمرار الاتفاقية وكيف يمكن أن تبدو، وسط انقسام أوروبي إزاء قضية اللجوء، أكثر من أي وقت مضى. وبينما تعتبر الحكومة الألمانية الاتفاق "ناجحاً"، ترى أحزاب المعارضة أنه "باء بالفشل". وقالت نائبة المتحدث باسم الحكومة الألمانية، أولريكه ديمر، يوم الأربعاء (17 آذار/ مارس 2021) إن الجانبين تمسكا بالاتفاق ونفذاه معاَ، مؤكدة أن الاتفاق نجح في مكافحة "نموذج الأعمال القاتل" للمهربين في بحر إيجه. "انتهاكات لحقوق الإنسان" لكن عدة منظمات لحقوق الإنسان قالت اليوم الخميس (18 آذار/ مارس 2021) إن سياسة اللجوء التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي تخفق في تحقيق معايير الحماية الدولية، وذلك بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة لاتفاق الهجرة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. ودخل الاتفاق حيز التنفيذ في 20 آذار/مارس 2016، مع انعكاس ذلك بـ"عواقب وخيمة" على طالبي الحماية، بحسب بيان لثماني منظمات. وذكرت المنظمات، ومن بينها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وأوكسفام، أن الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي غالباً ما تشهد انتهاكات لحقوق الإنسان. وقالت أوكسفام في بيان صحفي مصاحب للبيان المشترك: "تتعرض أسر في كل يوم منذ ذلك الحين، لحصار في النقاط الساخنة على الجزر اليونانية، وتتوقف حياتها"، وأضافت: "أنشأ الاتحاد الأوروبي واليونان هذه (النقاط الساخنة) في أعقاب الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا"، وتابعت: "أدى هدف الاتحاد الأوروبي بإبقاء طالبي اللجوء على الجزر اليونانية لتسريع عودتهم إلى تركيا إلى ظروف معيشية مروعة وممارسات عنيفة لمراقبة الحدود وتأخيرات هائلة في إجراءات اللجوء". وترى النائبة في البرلمان الأوروبي عن حزب اليسار كورنيليا إرنست أن المعسكرات في الجزر اليونانية هي "رمز لانتهاكات الحقوق الأساسية". ويعتقد عضو البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر، إريك ماركوارت، أن اتفاق اللجوء مع تركيا "أهمل حقوق الإنسان وإن نجاحه يقاس بمدى عزل أوروبا نفسها". وينتقد ماركوارت أن الاتفاق توصلت إليه الحكومات "دون مناقشتها أو تمريرها في البرلمانات". "ورقة مساومة" وأوشك اتفاق اللجوء بين أنقرة وبروكسل على الانهيار العام الماضي، عندما احتشد آلاف المهاجرين غير الشرعيين، معظمهم من أفغانستان وباكستان والعراق، على الحدود بين تركيا واليونان، حيث فتحت أنقرة الحدود أمام الساعين إلى دخول أوروبا، ولكن أزمة الحدود توقفت بسبب تفشي وباء فيروس كورونا المستجد. ويستخدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاتفاقية للضغط على الاتحاد الأوروبي، إذ هدد مراراً وتكراراً بفتح الحدود إن لم ترسل أوروبا المزيد من الأموال. ويرى خبراء أن الاتفاق الآن بحاجة إلى مزيد من التمويل، وإلى أن يمتد ليشمل مجموعات أخرى من المهاجرين في تركيا، وذلك بحسب ما ذكرته سينم آدار، الباحثة في مركز درسات تركيا التطبيقية بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية. وقالت آدار: يجب أن تدعم البرامج المستقبلية في هذا الشأن أيضاً عمليات الاندماج، حيث من المرجح أن يفضل معظم السوريين البقاء في تركيا. وفي نفس الوقت، يمثل حوالي مليونين من اللاجئين غير الشرعيين مصدر قلق بالغ في تركيا، حيث أن معظهم قد استقروا في البلاد، بحسب ما قاله مراد أردوغان، مدير مركز أبحاث الهجرة بالجامعة الألمانية التركية في إسطنبول. وأوضح مراد أردوغان أن العديد من هؤلاء قد يحاولون الوصول إلى أوروبا بدلاً من مواجهة خطر الترحيل في تركيا. وتقول سلطات الهجرة في تركيا إن البلاد تستضيف حوالي ستة ملايين لاجئ، منهم حوالي أربعة ملايين من سوريا. ويزيد هذا العدد بمقدار مليونين مقارنة بعام 2016، وهو ما يشكل عبئاً ثقيلاً على تركيا التي استقبلت حوالي 60 ألفاً من طالبي اللجوء في عام 2011، قبل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا. "تحديث الاتفاق أو استبداله" ويقول جيرالد كنوز، من مبادرة استقرار أوروبا، إن اتفاق الهجرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي سيفشل، إذا لم يتم تحديثه أو التوصل إلى اتفاق آخر بدلاً منه. وقال كنوز في ندوة عبر الانترنت نظمتها رابطة أبحاث الهجرة، مقرها اسطنبول، إن على الاتحاد الأوروبي زيادة المساعدات للمهاجرين الموجودين في تركيا، والبدء في استقبال المزيد منهم. ويرى مراد أردوغان أنه إذا لم يحدث ذلك، فمن الممكن أن تميل أنقرة إلى السماح للمهاجرين بعبور حدودها الأوروبية واستخدام ذلك كورقة مساومة. وقال مسؤول الأسبوع الماضي إن الاتحاد الأوروبي يتوقع من تركيا في نفس الوقت أن تشدد الخناق على مهربي البشر وأن تسمح بعودة مهاجرين من الجزر اليونانية إلى أراضيها. وقد توقف الجانبان خلال فترة الوباء، ولكن في حين بدأ الاتحاد الأوروبي إعادة التوطين، لم تبدأ تركيا استقبال أي مهاجرين عائدين. ولا تزال أنقرة تأمل في إلغاء تأشيرات الدخول إلى أوروبا بالنسبة للأتراك، وفي تحديث الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي، الذي يقول إن قوانين مكافحة الإرهاب في تركيا، والتي يكتنفها الغموض، تستخدم لانتهاك الحقوق واستهداف المنتقدين. وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، مؤخراً، إن بلاده تأمل في أن تدفع "الأجواء الإيجابية" الحالية مع الاتحاد الأوروبي بروكسل إلى "الوفاء بتعهداتها"، بحسب ما أوردته وكالة الأناضول التركية للأنباء. وقالت الباحثة سينم آدار إن ربط هذه الوعود باتفاق الهجرة كان سوء تقدير من الاتحاد الأوروبي في المقام الأول، مما كثف من "لعبة إلقاء اللوم". ورغم ذلك، تقول آدار إن الاتفاق، رغم أنه غير مثالي، أدى إلى مزيد من الاعتماد المتبادل بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وترى أن تحديثه يصب في صالح الطرفين. م.ع.ح/ع.ج (د ب أ)
مشاركة :