ليبيا: حكومة دبيبة فوق رمال متحرّكة

  • 3/18/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بعدما نالت حكومة عبد الحميد دبيبة ثقة مجلس النّواب يوم الإربعاء 10 مارس الجاري بأغلبيّة أصوات النوّاب الحاضرين ال132 وصف المستشار عقيلة صالح رئيس المجلس ما حدث بأنّه « يوم تاريخي « وعبّر عن رغبة نوّاب المجلس في طيّ صفحة الماضي والذّهاب إلى وضع سياسي جديد يسمح بالخروج من حالة الانقسام والفوضى وعدم الاستقرار وتفكّك الدولة اللّيبيّة.. وقال عقيلة صالح :» إنّ على هذه الحكومة أن تعلم أنّها أمام مهمّة عاجلة وهي قيادة البلاد نحو إجراء الانتخابات في الرابع من ديسمبر القادم «. أمّا فائز السّرّاج رئيس حكومة الوفاق المتخلية فقبل بمنح الثّقة لحكومة دبيبة وقال : « إنّ ما تمّ اليوم يعتبر خطوة مهمّة لإنهاء الاقتتال والانقسام «. أمّا عبد الحميد دبيبة فقال : « إنّ هذه الحكومة ستكون حكومة كلّ اللّيبييّن « واعتبر نيل الثقة من البرلمان لحكومته التي باشرت عملها في طرابلس العاصمة يوم السبت الماضي ب«اللّحظة التّاريخيّة» ، وتعهّد بعدم تكرار الحرب في البلاد ، وقال : « أشكر مجلس النّوّاب الذي غلّب المصلحة الوطنيّة وأثبت أنّ اللّيبييّن وحدة واحدة ، سأدعم المجلس الرّئاسي الجديد واللّجنة العليا للانتخابات وكتابة الدستور ، وإنّ الحرب لن تتكرّر مرّة أخرى في ليبيا .. وإنّ المرتزقة والقوات الأجنبيّة خنجر في ظهر اللّيبييّن لا بدّ من التّحرّر منهم «. ومن ناحيته قال محمّد المنفيّ رئيس المجلس الرّئاسي الجديد : « نحن مقبلون على مرحلة جديدة من أجل تحقيق انتخابات شفّافة وحرّة في موعدها يوم 24 ديسمبر القادم». وأكّد على « ضرورة تحقيق الأمن والمصالحة الوطنية دون الإفلات من العقاب لكلّ من أجرم في دعم الشعب اللّيبي وعلى دعم مسار اللجنة العسكرية خمسة زائد خمسة وإيقاف التدخلات الخارجية». وأعلن الجيش الوطني اللّيبي عن دعمه لحكومة دبيبة وتأكيد رفضه لاستمرار الاتّفاقيات العسكريّة مع تركيا. وقد قوبلت حكومة دبيبة بترحيب عربي ودولي وتأييد قويّ حيث كانت المملكة العربيّة السّعودية في مقدّمة المرحّبين والمؤيّدين عن طريق بيان وزارة الخارجية في المملكة التي عملت دائما في سبيل إنقاذ ليبيا وإخراجها من أزمتها حتّى يعود إليها الاستقرار والأمن والسّلام.. وفال الاتحاد الأوروبي إنّ المصالحة وتحسين الخدمات والتّحضير للانتخابات أبرز تحدّيات الحكومة الجديدة .. ودعا مجلس الأمن الدّولي إلى انتقال سلس للسّلطة في ليبيا وطالب حكومة دبيبة ب»إجراء انتخابات حرّة ونزيهة وإطلاق مصالحة شاملة « ، كما دعا مجلس الأمن إلى انسحاب جميع القوات الأجنبيّة والمرتزقة من ليبيا.. في نفس الوقت حذّر مستشار الأمن القومي الأمريكي جكسون كوريفان كلّ من يعرقل الحكومة الجديدة وقال : « سنعمل على مساءلة أيّ طرف يسعى إلى تقويض الانتخابات اللّيبيّة « ، ومن ناحيته قال بان غوتيرش الأمين العامّ للأمم المتّحدة إنّ « منح الثّقة لحكومة دبيبة خطوة مهمّة نحو استعادة وحدة ليبيا واستقرارها». إنّ المواقف العربيّة والدّولية الدّاعمة للمسار السّياسي الجديد في ليبيا تدلّ على إنّ المجتمع اقتنع أخيرا بضرورة إنهاء الأزمة اللّيبيّة التي طالت كثيرا ، لكن رغم الانفراج الذي سجّله المشهد اللّيبي بعد موافقة البرلمان على حكومة دبيبة فإنّ عديد المراقبين تساورهم مخاوف من أن يكون انفراجا مؤقّتا ، لأنّ مصادر وشخصيات مختلفة داخل ليبيا تعرف أنّ الحكومة الجديدة لم ترض كلّ الأطراف والمناطق.. فمجلس النواب كان مطّلعا على محاولات بعض الدول لمنع منح الثّقة لحكومة دببية لكن المجلس رغم التّناقضات والخلافات القائمة بين أعضائه فإنّهم استطاعوا أن يفشلوا الضّغوطات التي كانت تمارس على المجلس إلى آخر لحظة لإسقاط الحكومة ، وأوضحوا في تدخّلاتهم في جلسة منح الثّقة بأنّهم توافقوا ووافقوا جميعا على منح الثّقة للحكومة الجديدة التي اعتبروها الفرصة الأخيرة للملمة صفوف الشعب اللّيبي الذي عانى كثيرا في السّنوات الأخيرة من أوضاعه المعيشيّة والأمنيّة السّيئة والخطيرة وحتّى لا تزداد سوءا وخطرا أكثر . ويرى النوّاب أنّه لا بدّ من تحمّل تسعة الشّهور المقبلة كي تجري الانتخابات الرّئاسية والتشريعية في 24 ديسمبر في نهاية هذا العام وتستقرّ الأوضاع وتتوحّد مؤسّسات الدّولة وتنهض الدولة من جديد إذا سارت الأمور على أحسن ما يرام. إنّ حكومة دبيبة تنتظرها تحدّيات ومشاكل وصراعات عليها أن تعرف كيف تواجهها. وفي هذا المضمار يقول عبد الفتّاح حتيتة الخبير المصري في الشّؤون اللّيبيّة : « إذا لم تتوحّد المؤسّستان العسكريّة والأمنيّة قبل الانتخابات القادمة في 24 ديسمبر فستكون أمام حكومة دبيبة صعوبات وعراقيل وتحدّيات كثيرة «.. من ذلك يذكر العارفون سيطرة تيّارات الإسلام السّياسي على العاصمة طرابلس واختراقها لحكومة دبيبة منذ الآن حيث يقول خالد التّرجمان رئيس مجموعة العمل الوطني في ليبيا : « كلّ تيّارات الإسلام السّياسي متواجدة في هذه الحكومة عبر الاستحواذ على أهمّ الحقائب الوزاريّة السّياديّة مثل وزارة الخارجيّة ووزارة الماليّة ووزارة الداخليّة ، وهذه التّيّارات تتمثّل في حزب العدالة والبناء ، وحزب الإخوان المسلمين، والجماعة اللّيبيّة المقاتلة، وبقايا القاعدة .. إذ جاءت الحكومة حسب الاتّجاه الذي تريده هذه التّيارات الإخوانيّة التي رفضت أن تكون مدينة سرت مقرّا للحكومة التي تستطيع أن تعمل فيها بحياديّة لأنّ سرت مؤمّنة وبعيدة عن خطر الميليشيات .. وفي ذهابها إلى طرابلس كمقرّ تحت هيمنة وتأثير الميليشيات لا تستطيع الحكومة العمل وستجد نفسها في طرابلس في قبضة العصابات المسلّحة ولن تفعل شيئا وربّما سيكون مصيرها مثل مصير الحكومات السّابقة». وفي نفس هذا السّياق يقول الدكتور عبد المنعم العرفي عضو مجلس النّوّاب اللّيبي: « نحن نعرف أنّ أسماء هذه الحكومة تغيّرت ثلاث مرّات نتيجة التّدخّلات والضّغوطات والابتزاز والمحاصصات الحزبية.. وفي هذه الحكومة أسماء جدليّة محسوبة على الجماعات الإسلاميّة مثل «الجماعة المقاتلة « التي أدخلت البلاد في الانقسامات والتّقاتل والحرب والفوضى. واتّفقنا على أن تكون سرت هي مقرّ الحكومة فتمّ التّخلّي عن ذلك لتكون طرابلس هي المقرّ.. ولكن الخوف أنّ طرابلس مازالت تحت سيطرة العصابات المسلّحة. واتّفقنا على أن تتوزّع الحقائب الوزاريّة السّياديّة على الأقاليم اللّيبيّة الثلاثة برقة وفزّان وطرابلس فلم يقع ذلك ولم يتحقّق التّوازن بين الأقاليم ممّا أثار غضبها .. وقد تفاجأنا بأنّ كلّ شيء تغيّر.. ورغم ذلك منحنا الثّقة للحكومة في البرلمان من أجل الوصول إلى الانتخابات . فنحن نريد أن تكون ليبيا دولة مؤسّسات لا دولة ميليشيات.. لا يمكن إقامة دولة في وجود الميليشيات وداعميها هؤلاء الذين هم وراء كلّ مشاكل ليبيا». وبقطع النّظر عن الإيجابيات والسّلبيات والتّحفظات والآمال التي ترافق حكومة دبيبة فهي تنتظرها مهام كبيرة وصعبة في أوضاع معقّدة جدّا ، تحتاج فيها الحكومة إلى دعم حقيقي من المجتمع الدولي ومن الدول العربيّة لتتحمّل مسؤوليتها وتقوم بمهامها عن جدارة وتنهض بأعباء المرحلة الجديدة التّاريخيّة التي دخلت فيها ليبيا. ومن جهة أخرى بدأت دول عربية وغربية في التنافس على الظفر بفرص الاستثمار وإعادة الإعمار في ليبيا. لقد حصل انفراج داخل ليبيا وخارجها وخاصّة في دول الجوار منذ تكوين حكومة دبيبة التي فتحت آمالا عريضة نحو مستقبل واعد ، رغم ذلك فإنّ هذه الحكومة تتحرّك فوق رمال متحرّكة عليها أن تتجاوزها و تجتاز عواصفها بسلام إلى يوم 24 ديسمبر موعد الانتخابات التي ستضع ليبيا في طريقها الصّحيح وتنقلها إلى وضعها النّهائي.

مشاركة :