رسائل من وهج ونار.. ألبير كامي ماريا كازاريس

  • 3/20/2021
  • 01:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

من أجمل أدب المراسلات المترجمة إلى العربية رسائل ألبير كامي الكاتب والفيلسوف الوجودي الفرنسي المكلل بجائزة نوبل للآداب سنة 1957 لعشيقته الممثلة المشهورة ماريا كازاريس. أحبها بجنون قلبه وقلمه، كان حبا محظورا لأن البير كامي كان متزوجا وأبا لطفلين بينما كانت ماريا كازاريس تمشي بخطوات ثابتة نحو الشهرة والاضواء. اتوقف في هذا المقال عند اكثر من 800 رسالة متوهجة عبرت عن حقبة زمنية للفلسفة الوجودية والمثقف وعن زمن كانت الرسائل فيه الطريقة الوحيدة للتواصل مع الآخرين. فتراسلا بجنون عاشقين لن تجمعهما الحياة وأحب البير كامي ماريا حتى آخر لحظة في حياته قبل أن توافيه المنية في حادث سير. لقد عشق ألبير كامي النساء والعلاقات المتعددة. لكنه مع الممثلة ماريا كازاريس، التي تعرف عليها سنة 1944 سيعيش قصة حب مجنونة، التصدع، ثم استعادة العلاقة إلى اليوم الأخير. الشاهد على ذلك رسائلهما الملتهبة الصادرة حديثا عن دار غاليمار. لقد مثلت ماريا كاساريس بالنسبة إلى كامو: «مأساته»، و«انفعاله»، و«ألقه» و«سمكة السلمون المرقّط»، و«قديسته الصغيرة المتلهفة»، و«الراحلة الهائمة». بينما اعتبرت ماريا كزاريس كامي: «رفيقها في المعركة»، و«أميرها الجميل المنفي»، و«سلطانها»، و«حبيبها المجنون» المرهف والأسمر صاحب العينين اللامعتين. ماريا كازاريس (1922-1996) وألبير كامي (1913-1960)، هذا الثنائي الأسطوري. حب يلتهب بشعلة شغف شبيه بما تعرضه السينما وروايات الحب الخالدة، تواتر من خلال رسائل رسخت إلى الأبد هذين العاشقين الشهيرين اللذين عاشا قصة حبهما في الخفاء بعيدا عن عالميهما المتوازيين. في سنه الثلاثين يقع البير كامي في حب ماريا كازاريس التي شارفت على الواحد والعشرين من عمرها، كانت يافعة وجذابة بجمال إسباني راجع إلى أصولها في غاليسيا الاسبانية. ميز كامي صوت أخشنه النيكوتين وطلة أنيقة كنجم السينما الأمريكي «همفري بوغارت»، أما كازاريس فكان صوتها دافئا وجمالها عذريا أخادا. عرفت ماريا البير متزوجا من فرانسين فور، وله منها التوأم «كاترين» و«جين»، سنة 1945. بينما لا يزال المستقبل أمام كازاريس، لكن الأخيرة تحتكم إلى مبادئ: تفضل إنهاء علاقتها مع رجل لن يتزوجها ولديه أطفال. منفصلان، فقد عرفا الشهرة سنة 1947، كامو بإصداره رواية الطاعون، ثم تألق كازاريس سينمائيا برفقة جيرار فيليب في فيلم la chartreuse de Parme لكريستيان جاك. لكن يوم 6 يونيو 1948، الذكرى السنوية لافتتانهما، صادف أب الأسرة (كامو) خطيبة الممثل جان سيرفي (كازاريس)، وسط شارع سان جيرمان ثم على الفور توقدت النار ثانية بينهما. ومنذئذ، استمرت حكايتهما حتى الموت المفاجئ لألبير كامو يوم 4 يناير 1960 . أيام قليلة، بعد ذلك كتب كامو إلى ماريا كازاريس: «سنة سعيدة، حبي الغالي! كوني جميلة وسعيدة، مع الوجه الجميل المشرق الذي أعشقه. ولا تنسي رفيقك، الذي سيلج، على نحو خفي، المأدبة ماسكا يدك بلطف يدك، حبيبتي. أقبِّلك، كل السعادة كي ألتقيك ثانية». لكنهما لن يلتقيا أبدا. هذه الرسائل التي لم يسبق نشرها، بين الكاتب المسرحي وممثلته الساحرة لا تقدم فقط قياسا لعشقهما الثابت، وتظهر كذلك قوة تجاوبهما الفني والفكري. كتب كامو في رسالة سنة 1950: «ما يفعله كل واحد منا على مستوى عمله، وحياته، لا يقوم به وحده، بل وحده حضور يشعر بالصحبة». هكذا نرى بالفعل تواترا في هذا الكتاب لتاريخ بأكمله أدبي، ومسرحي، وسياسي، يعتبر فيلسوف العبث وكذا الممثلة التراجيدية، فاعليه الملتزمين. هما معا أبناء منفى ومسافران كبيران. ثنائي مدهش، لم يكشف قط رسميا عن قصته ثم واصل إخفاء سره، بينما ظل الكاتب الحاصل على جائزة نوبل والممثلة التي برزت في مهرجان «أفينيون» على الدوام تحت الأضواء.  * من ألبير كامو إلى ماريا كاساريس: 6 يونيو 1944 «سعيد أن أراك داكنة وذهبية اللون. اجعلي نفسك جميلة، ابتسمي، لا تستسلمي. أريدك سعيدة. لم تكوني قط أكثر جمالا من تلك الليلة رسالتي أخبرتني فيها بأنك سعيدة. أحبكِ وفق كيفيات كثيرة، لكن خاصة، مع مُحَيّا الغبطة وإشراقة الحياة تلك التي أثارتني دائما…. إلى اللقاء، ماريا -المذهلة- النابضة بالحياة، يبدو لي أنه بوسعي تنضيد ركام من الأوصاف على هذه الشاكلة. أفكر فيكِ باستمرار وأحبكِ بكل فؤادي. تعالي بسرعة، لا تتركيني أكثر مما ينبغي وحيدا مع أفكاري، أحتاج إلى حضوركِ الصاخب وذاك الجسد الذي استرخيت معه في جل الأحيان. أترين، أبسط لكِ يداي، تعالي أمامي قدر ما يمكنك من السرعة. أقبِّلكِ بكل قواي.  21 يوليو 1944 : ... أعرف أيضا أننا نقول أحيانا: «بالأحرى عدم حدوث أي شيء بدل شعور لا يكون مطلقا»، بيد أني لا أومن بالمشاعر المكتملة ولا الحيوات المطلقة. كائنان يعشق بعضهما البعض عليهما تملّك حبهما، وبناء حياتهما وشعورهما، ليس فقط ضدا على الظروف بل كذلك إزاء مختلف هذه الأشياء في ذاتها التي تقيدهما، تمسخهما، تزعجهما أو تثقل عليهما. إن عشقا، يا ماريا، لا ينتصر على العالم بل على ذاته. وتعلمين جيدا، أنت صاحبة القلب الرائع، أننا أكثر أعداء أنفسنا رعبا. لا أريدكِ أن تغادري ثم يستغرقك وهْم عزوف ما. أود أن تظلي معي، ونمضي مزيدا من كل وقت حبنا ثم نحاول بعد ذلك تعضيده أكثر وتحريره أخيرا لكن هذه المرة في إطار صدق الجميع. أقسم لكِ أن هذا وحده نبيل، ووحده عند مستوى الإحساس الفريد الذي أضمره لكِ. * كاتبة من فرنسا

مشاركة :