لم نعد قادرين على قراءة مآلات كورونا بكل صراحة؛ والكلام الذي نقوله لا يعجب الحكومة ولا الناس ولا القطاع الاقتصادي؛ كيف لبلد فيها مائة ألف حالة نشطة أن تراهن على إمكانية تسطيح المنحنى خلال أسابيع؛ هذا امر يحتاج لمعجزة إلهية على ما نشاهده من سلوك لا مبال وتمرد على العزل المنزلي والحظر الليلي واستقواء أشبه بالانتحار الجماعي.حسب أكثر المتفائلين لن نلمس تراجعا تدريجيا للأرقام قبل عشرة أسابيع أي منتصف أو نهاية أيار (مايو) المقبل، وهذا يعني أننا بالضرورة أمام مزيد من الضحايا والاصابات التي قد تزيد خلال الأسابيع المقبلة على نصف مليون إصابة فأي قطاع طبي وأي إمكانيات قادرة على التعامل مع هذا التحدي.لنعترف أننا تأخرنا وأن حالة التخبط الذي فرضتها طريقة تعاطي فريق الأوبئة وتسابقهم على إعطاء تصريحات متناقضة وكأن القصة من يصل أولا للاعلام ويقول ما يراه ويرمي عن نفسه ويضع الكرة في ملعب الحكومة التي تداهمها الازمات من حيث لا تحتسب ولا تتوقع.الإجراءات الأخيرة بحظر الجمعة واطالة مدة الحظر الليلي شارفت على الشهر ولم نلمس أي تحسن يذكر بل إن النسبة العامة تقارب الـ 20% والأطباء وخبراء الإحصاء الطبي يحذرون من أننا قد نصل لنسبة 40 % خلال الأسابيع المقبلة وقد نشهد في رمضان كارثة طبية.حجم الالتزام بارتداء الكمامة ما زال متواضعاً والتباعد الاجتماعي ما زال شكليا وغير منتج وأي التزام مؤقت يفقد مفعوله نتيجة الاكتظاظ في الشوارع وفي المحلات التجارية خاصة في وقت الذروة قبل بدء الحظر الليلي؛ بل إن ما يمكن تحقيقه من حظر الجمعة نخسره السبت في التجمعات.الحكومة تقول اننا مقبلون على فتح شبه كامل في الصيف! هل يمكن أن نتمكن من إنجاز هذا التوجه في ظل هذه الموجة القاسية والمرعبة؛ سألت العديد من الأطباء والمختصين وأكدوا أننا في ضوء هذه الأرقام قد نحتاج مزيداً من الوقت شريطة أن يرافق ذلك حملة قوية من إعطاء اللقاح.في هذه الزاوية كتبت مرات عديدة أن الحكومة مطالبة بإجراءات أكثر صرامة؛ أتفهم أنها مضطرة لتستجيب للضغوط الاقتصادية وأتفهم أنها واقعة تحت ضغط فئات كبيرة لا تريد الحظر وتسعى للتوظيف السياسي ولكن المؤشرات تؤكد أننا ذاهبون للأسوأ إذا لم نملك القدرة على تجرع الترياق مرة واحدة حتى لا نضطر ان ندفع كلفة كارثية.لا يجوز أن يبقى التعامل مع ازمة لم تواجهها الدولة منذ تأسيسها بالقطعة وعلى طريقة المياومة والرهان على مفاجآت قد لا تأتي؛ متابعة تطورات الوضع الوبائي خلال الأيام المقبلة حاسمة فالوقت ليس في صالحنا مطلقاً؛ لقد أصبحنا في موقع متقدم على المستوى العالمي وبائياً ولا يعقل أن يكون القرار الاقتصادي أولوية.لا نبخس الحكومة جهودها وندرك أنها ترجو أن تنتهي الازمة اليوم قبل غد، ولكنها تدرك أننا نحتاج مع الدعاء قليلا من القطران وبالتالي لا بد من إجراءات لن تتمكن من إعادتنا الى وضع مثالي بل تعطي القطاع الصحي فرصة لالتقاط أنفاسه حتى لا نكون امام لحظة لا فائدة فيها من المراجعة بأثر رجعي.لابد من اجراء عاجل وإلا سندخل حكماً بالحائط هذا إذا لم نكن دخلنا فعلياً؛ نستطيع أن نبرر دوافع هذا التردد ولكننا امام رائحة الموت التي تنتشر في كل زاوية سنقول للحكومة بكل صدق وامانة لا تتجنبوا الإجراءات مهما كانت قاسية اقتصاديا فلا قداسة ولا قدسية تعلو على حياة الناس.الغد
مشاركة :