المتوكل طه يكتب: في ذكرى الاجتياح صورة مكرورة

  • 3/25/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

منذ ليلة الاجتياح 28/3/2002 حتى يوم 17/9/2002، أي خلال ستة أشهر، يكون جنود الاحتلال قد اجتاحوا الأراضي الفلسطينية ثماني وثلاثين مرّة، يدخلون ويخرجون، يستبيحون قلب المدن والبلدات والمخيمات، ثم يعلنون للعالم أنهم انسحبوا، وهم بالفعل قد انسحبوا من قلب المدن وربضوا بآلياتهم وكامل عتادهم حول المدن وفي الضواحي، وخلال ثلاث دقائق يعودون ويستبيحون. ويبدو أنهم ملّوا هذه اللعبة – السحّاب، فقرروا المكوث الدائم، فأعادوا احتلال الأراضي الفلسطينية بشكل كامل، وتمترسوا في البنايات والمدارس وعلى المفارق، وفي نهاية وبداية كل طريق، وثمة رصاصة غليظة في بيت النار. هنا، لم تكن حرب، لأن للحرب أخلاقاً وحدوداً ونواميس، بل كانت استباحة مطلقة وعمياء، ربما تشبه طاحونة ضخمة، ارتفع شقّها الأعلى، ووُضِعت الضفة الغريبة فوق شقّها الأسفل، ثم انطبقت على نفسها، وراحت تجرش كلّ شيء، فسال اختلاط الدم والحديد والجير والعظام. ولم تتمكّن عينُ الكاميرا أو الحواس العشر الشاهدة من رؤية شىء غير ذلك الخليط الفريد المفجع الكاوي. * خلف هذا الليل القاني نهارٌ يولد، يحمل عافية الليمون وشهقة التين. هذا إذا أحسنّا رعاية الحليب وبرعم اللاثغ ابن الثاكل، أو بنت العشرين التي لم يجد أحد لغةً يصف أصابعها المتوترة وهي تشدّ شَعرها المنعوف ساعة حملوا زوجها المذبوح على نعشه، والقشعريرة قد وصلت إلى جدران البيت الذي هدموا نصفه، وما زالوا في غرفته الأوسع، يذرعونها بالمجنزرات التي تشبه الكنغر، الذي يخبّئ الدببة المدجّجين في بطنه الحديدي، أو كالديناصور الهائج الذي يسحق بأسنانه الفولاذية، فيصحو الليل المذعور يردد بهوائه الملغوم صدى ارتعاشة الأيدي والأرجل الصغيرة. ثمة ما لا يوصف! وهنا، بالضبط هنا، جنون كامل ورعب كامل وبسالة كاملة. ثمة كمال تشكّل بأمر الغزاة والناس البسطاء، مثلما هبطت الأساطير من عليائها الغائم إلى الأزّقة والبيوت، وصعدت الخرافات الواقعية من بين الأضلاع والسقائف والطرقات. وثمة ما لم يدركه الكلام مهما وصلت بلاغته،وما لم تصوّره الكاميرات الحاذقة المُطاردة بالرصاص الحيّ والغاز المُسيل للعار والأوامر العسكرية الصارمة. * لهذا، فإنّ الكتابة عن هذا الجحيم المهول، وعن هذه البطولة الفذّة ترتبك، وتختفي لأسباب عدّة: أولها أن في فظاظة كل هذا القتل والتدمير ما يُغني عن الكلام، حتى أن المرء يشعر بلا جدوى الكتابة أمام كل هذا الذي لا أدري كيف أصفه ! وثانيها أن المشهد لم ينته بعد، وبالتالي فإن ما سيُكتب سيكون أقرب إلى الكتابة الميدانية الواصفة الساخنة الهادفة للشحذ والإثارة والتحريك، ولم نبتعد بعد عن الصورة لنتأمّل تفاصيلها كاملة، ونتذكر – ونحن نلهث خلف الجراح الدفّاقة أو تحت سواطير الموت – ما ينبغي تأمّله وسبر غورة لتكتمل الصورة التي ينبغي أن نقدّمها كاملة، إن استطعنا، لتكون الرواية شرعية وغير منقوصة دون تهويل أو صراخ، أو تكون شبيهة بتلك اللحظات، التي كانت أروحنا تترجرج فيها، مثل الزيت المحروق في قارورة ملتهبة. * وهنا إرهاصات ظلام علينا أن نتنبّه لها حتى لا تنمو وتمرع وتعمّ الأنحاء، وتُغطّي إنجازاتنا الوطنية وأسماء الشهداء العظيمة، وتتمثّل تلك الإرهاصات في هامش الخطأ فينا، أو ما يحلو للبعض تسميته بالفساد، ما يوجب إجراء عملية تطهير داخلي، واستكمال التشريعات، وإعادة حضور المؤسسة والسلطات المسؤولة المُقامة على أسس محدودة وحديثة متكاملة تراعي الثواب والعقاب والمتابعة الحريصة المنتمية، علماً أن أيادي خفيّة وطابوراً خامساً يعملون بشكل حاسم وماكر على استراتيجية متمكّنة للدخول إلى أحشائنا وإشاعة المرض والفوضى فينا، وخلق بدائل مشبوهة وظواهر قاتلة. ولعل جزءاً صغيراً وغير معلن من هذه الانتفاضة العبقرية قد اشتعل ضدّ الخطأ فينا، لكن جوهر الانتفاضة واتساعها كان متّجهاً نحو الاحتلال ويهتف للخلاص منه، والعودة للاجئين، وللدولة المستقلة، وللقدس الشريف عاصمة أبدية لا بديل عنها أو لها. وفي هذا السياق لا بُدّ، وفي أقرب وقت ممكن، من التقاط ومعالجة كل التجاوزات والأخطاء والثغرات التي أدت إلى إعاقة الانتفاضة، أو حالت دون وصولنا إلى بعض ما نصبو إليه أو أبهظتنا أكثر مما يجب. * وإن كل لحظة ألم وفجيعة وقعت في جوارح الفلسطينيين، وإن كل قطرة دم أزهرت مثل نجمة في رأس تلميذ أو ظهر شيخ، وإن كل تأوّه مخاض لحامل وضعت جنينها على حاجز عسكري للضباع، وإن كل شجرة اقتلعوها من شروشها أو حجر هدمه أو طحنوه، كل ذلك وغيره ليس من فعل جيش الاحتلال اليهودي وحده، أو مروحيّات الأباتشي التي تخبز الحارات بالنار والرصاص الغليظ والقذائف المصوّحة، أو طائرات ال أف 16 الأمريكية التي تزلزل كل ما هو قائم وتبعثره بحمولتها، بقدر ما أن مَنْ يوافق إسرائيل على أفعالها الإجرامية أو يصمت عنها أو لا يرعوي مما تفعله، أو يحول دون الضغط عليها، هو شريك كامل الشراكة معها، ونعتبره من حاملي المعاول التي حفرت القبور الجماعية لشهدائنا المغدورين، وجعلوا أمام مداخل مشافينا تلالاً فوقها نصبٌ رخامي كتب عليه أسماء ستة وعشرون شهيداً قضوا في غارة واحدة، أو نعتبره ممنْ عبّأوا الرصاص في “باغات” الجنود، أو من الذين جعلوا من موقفهم الجبان توطئة ممهّدة للمجنزرات التي فختت أقواس الأسواق والدور على رؤوس قاطنيها، ونسفت جامع الخضر، أو قصفت تمثال السيدة مريم العذراء عليها السلام.كُنّا بشراً لم نكن جميعنا أبطالاً مقدودين من الصخر، بل ارتعدت فرائص الكثيرين، وعلا النشيج الجماعي غير مرّة في غير موقع، وراح معظم الجمهور يسدّ رمّانة البيت على نفسه وأهله ويسدل الستائر، واحتضنت الأمهات أولادهن، وبحثن عن أكثر الزوايا سلامة في المنزل، وخبأنهم هناك، وتسابق الناس، قليلاً، إلى محلات البقالة والخضار والأفران، وابتاعوا كميات كبيرة من الشموع وبطاريات المذياع “الترانزستور” غير الكهربائي، واقتصدوا في الطعام والغسيل، وأطلقوا ذقونهم، حتى لم تعد ترى أحداً إلاّ ولحيته قد نبزت وطالت – وربما لم يحلقوا وجوههم كسلاً او حداداً أو احتجاجاً غير مُعلَن على كل شيء – وازدادت المجادلات بين الأزواج، والخلافات بين الأطفال، وبدأت الأصوات تعلو بالمُداخلات السياسية الركيكة بين رجال الحيّ، الذين تجمّعوا بعد أن اطمأنوا لابتعاد رتْل الدبّابات وصمت فوهاتها وانطفاء نثار قذائفها. وراح الرجال يدلحون حسراتهم وأمنياتهم على مصاطب كلام الليل. وتكاد ترى ذلك الخيط المشدود أو النزق في لسان المتناقشين الذين انتبهوا لتوّهم للأخطاء والثغرات والنواقص التي التي أدت إلى اجتياح الاحتلال لأرضنا، واتّسعت الموضوعات، وراح الحديث في كل اتجاه، أليس الحديث ذا شجون؟! لكن شجون الناس هنا حقيقية، وبارقة بالوجع والدمع والشتائم والمدائح، أيضاً. وربما تواطأ الجميع على أن يقبلوا المبالغات في تصوير هول ما جرى، أو تصوير بطولة أجمعوا على إطرائها والابتشاش لها، ما كان يخلق شيئاً من التوازن النفسي والرضا والاطمئنان، كلّما وصلت أخبار المواجهة وإلحاق الخسائر في صفوف الاحتلال. وربما أعاد الناس لأنفسهم القصص ذاتها مرة إثر مرة، ويصلون بعد كل سرد لها إلى نتيجة حاسمة، يبنون عليها تصوّراً كاملاً وسيناريو لما سيحدث. كما استحوذت البرامج المقدّمة عبر شاشات الفضائيات على جزء كبير من اهتمام الناس، فتراهم يؤكّدون الثناء على هذه القناة الفضائية، ويسبّون تلك التي تعرض الرقص والعري أو تنكر الشهادة على الشهداء. مثلما كانوا، وكلما سمعوا صوت انفجار أو صدى قذيفة، أو رأوا دخاناً يصّاعد من ذلك الحيّ او تلك الضاحية، يهرعون إلى هواتفهم المحمولة للاتصال بأحد معارفهم أو أصدقائهم للاستفسار عمّا جرى، وتدور الألسن بالتفاصيل والتهويل والتحذير، فينكمش المستمعون ويردّون بواباتهم خلفهم، ويتمترسون أمام التلفاز بحثاً عن جديد، أو بليّة تقع على رؤوس الناس، غير أن موضوعاً بعينه كان فاتحة الكلام ومنتهاه بين كل المجتمعين، وهو الأنظمة العربية ودورها الغائب الفاضح. وموقف الولايات الامريكية التي أصبحت، وبشكل لا يرقى إليه شكّ، أكثر كرهاً وعداءً للناس من الاحتلال اليهودي. وبالتأكيد أكبر الفلسطينيون تلك المشاهد المؤثرة لأشقائهم المواطنين العرب والمسلمين وهم يقدّمون المساعدات والأموال والحليّ دعماً لهم، رغم ملاحظتين طالما يرددها البسطاء من الفلسطينيين، أولاهما أن على الأنظمة الحاكمة ان تقدّم الدعم وليس المواطنين “الغلابة” المساكين، خصوصاً تلك التي تصب المليارات في خزائن الغرب والعهر والتغريب، علماً أن الأنظمة تفتح للمواطنين أبواب التبرّع كإحدى آليات التنفيس، وثانيتهما أن الفلسطينيين ليسوا ” شحّادين ” كما يقول البسطاء منّا، والمطلوب هو الدعم السياسي والعسكري الممكن ! ولماذا لا؟؟ وقد يكون طبيعياً أن تزجي الرجال أوقاتها في لعب الورق “الشدّة”، حيث يتحلّقون في أحد بيوت الجيران، وينشغلون ساعات وساعات في فتّ الورق وعدّ حسابات اللعبة إثر اللعبة. وكالعادة، يعلو الصراخ والاحتجاج والشتائم الوديّة، ويكثر التدخين وشرب القهوة والشاي.. والتوقّف أحياناً إنْ وردت أخبارٌ تفيد بسقوطها شهداء او اجتياح مدينة أخرى!فضائيات مؤسفة: وفي مرأى الكثير من الشاشات الصغيرة العربية ما يدعو إلى القهر والأسف، ولا أعني تلك البرامج التي تصب في واد، وهمومنا في واد بعيد، أو تلك البرامج التي تبحث عن شرعيّة الفضائح والخلاعة، أو تلك التي تأخذ الرائي إلى كسل الإلهاء والبلادة والإحباط، رغم أن كلّ تلك البرامج هي جزء لا يتجزأ من سياسة استراتيجية شاملة وحاسمة تسعى إلى تغريب المواطن العربي واستلابه، وإبقاء المواطن مُفَّرَغَاً في عدميّة تامّة، وحشوة بمضامين تافهة أو محددة سلفاً تقوده نحو المسرب المرسوم له من الأنظمة، التي رسمت تلك السياسات الحاسمة، عبر منظومة معاصرة تفيد من كل نظريات العلوم الإنسانية والتقنيات الهائلة. بل أعني، للأهمية البالغة، البرامج السياسية والحوارات ونشرات الاخبار التي “تستضيف” إسرائيليين، أو تسقط بشكل ساذج أو مقصود في مستنقع المصطلح الاحتلالي المشبوه، أو تلك التي تعتمد إلى الإساءة للدم الطازج الفصيح الطاهر في فلسطين، والذي ينسفح دفاعاً باسلاً عن ثروات وأحلام ومقدسات وحقوق أمّة العرب والإسلام من المحيط إلى المحيط. وهنا، أقصد الفضائيات التي تدّعي العروبة أو تلبس عباءة العفّة الحنيفة، وهي لا تملك من مقوّمات القوم إلا سلامة نُطق الببغاء، أو التستّر بغربال الريبة، وإلاّ فما معنى ما تقوم به تلك الفضائيات، ومنه على سبيل المثال: أولاً: ترفض فضائية عربية تسمية الشهداء بأسمائهم الكريمة، وتدّعي بوقاحة مُمضّة أن الذين يستشهدون في فلسطين هم ” قتلى “، وتستكثر عليهم هذا اللقب السماوي المقدّس الذي يستحقونه بجدارة مهيبة!! ولا نأتي بجديد إن أشرنا إلى أن هذه الفضائية تتماهى تماماً مع دولة الاحتلال، وتقدّم لها صنيعاً كبيراً، بتحويل الشهداء إلى مجرّد أعداد أو أموات!! ثانياً: تقدّم هذه الفضائية، ومعها عدد آخر من الفضائيات نفسها فضائية ” نزيهة” “محايدة”، ليس لها علاقة مع “الفلسطينيين”، ودليلها على ذلك أنها تستضيف “الطرفين المتنازعين”، وتُعطي كل طرف فرصة “إبداء الرأي وتوضيح وجهة نظره” دون انحياز أو تمييز!! وعلى هذه الفضائية أن تعرف أننا ندرك أنها تساوي بين الضحية والجلاّد بقصد مقصود، مشبوه وملعون!! ثالثاً: ويا ليت الأمر يتوقّف عند حدّ ” المساواة ” والنزاهة ” و “عدم التدخّل “، بل إن هذه الفضائيات تربط بين ” الضيف ” الإسرائيلي ومدينة القدس، إما من خلال تقديم الشكر الجزيل له و” الذي تحدّث من القدس” أو من خلال وضع صورة القدس كخلفيّة و”الضيف الإسرائيلي” يشرح وجهة نظرة ! ما يعني تكريس القدس في ذهن المشاهد وهي مرتبطة بالإسرائيلي. وكذلك التأكيد، عبر نظرية التكرار، أن الإسرائيلي هو طرف “طبيعي” في المنطقة، ولا غضاضة في “التعاطي” مع هذه الدولة الإقليمية، وكأنها دولة شقيقة !! رابعاً: ويا ليت يا ليت تعتبر هذه الفضائية إسرائيل المحتلّة القاتلة الذابحة الحارقة الفاشية العنصرية المجرمة، دولة شقيقة “احتلّت” دولة”شقيقة” أخرى، فعندها ستصب ّعليها “لعنات” حفظناها، وسنأخذ منها موقفاً مشابهاً لموقف بعض الفضائيات العربية من دولة شقيقة نعرفها، قوامه العداء والسخط وتعرية ما تقوم به صباح مساء! رغم أن دولة الاحتلال ما زالت جاثمة على صدورنا، ولم يفرضوا عليها الحصار، بل يفتحون لها مكاتب الارتباط ويزورونها، ويحتفون بنجمتها السداسية المسروقة من أضلاع النبيّ أو الأندلس. خامساً: لن أشير إلى أن هذه الفضائيات “تنتقي” أجزاء محددة من الصورة الشاملة، وتأخذ كلمة من سياق كامل، وتبتر جملة هنا وتوصلها بهناك، وتختصر أخبار الانتفاضة وتقزّمها، بقصد الإساءة والتشكيك وإشاعة اليأس والمقولات السوداء، ولكنني سأشير على تلك المصطلحات المسمومة التي تدحرجها تلك الفضائيات بمناسبة وغير مناسبة، وتقوم بتنغيمها تشفّياً وكراهية نافرة مكشوفة. إن العربي أو المسلم أو الإنسان الشريف لا يمكن أن يكون حيادياً تجاه ما يجري في فلسطين. وإن حضانة المؤسسة أو الفرد تتأتى من ممارسته وتجليّات مواقفه، ولا حسنة لاجتهاد أي “نجم” سياسي ملهوف يسابق الريح في “مفاوضة” جنود الاحتلال وضبّاطه عبر الشاشات والبرامج، لأن الموقف الطبيعي – الآن على الأقل – هو الخجل من الحديث مع القتلة! وإن تقديم الفضائيات المتحدّثين الإسرائيليين هو تقديم صورة “حضارية” للإسرائيلي المحتلّ القاتل، ليتلقّاها المواطن العربي ويتهيّأ لقبول الإسرائيلي والتطبيع معه، لأن ” المتحدّث الإسرائيلي “يتم تقديمه أنيقاً لبقاً بلغة عربية غير هجينة !!وليس كما تُقدّمنا وسائل إعلامهم في كل مكان قتلة وإرهابين ومتخلّفين، ثم هل رأيتم أو سمعتم وطنياً فلسطينياً أو عربياً أو مسلماً على شاشة دولة إسرائيل أو فضائياتها أو إذاعاتها أو أذرعها الإعلامية عبر الأرض من شمالها إلى جنوبها؟ أم أننا كنّا في دول مُغلقة، وتحوّلت، ونحن منشغلين بدفن أطفالنا وأشجارنا وبيوتنا، إلى دول ديمقراطية مفتوحة كفم النائم الغشيم الأبله؟ …ولكن رغم كل هذا، لا نجحد الدور المشرّف الذي قام به المراسلون والصحافيون، حُرّاس الحقيقة، وبعض الفضائيات تجاه الاجتياح والاستباحة والبطولة العالية. * ولم نكن جبابرة كلّنا، لكن الحصار “المتكرر” خلّصنا من أوهام كثيرة خطرة، كانت تعشّش في أقفاص صدورنا، وأستطيع أن أجزم بأن حاجز الخوف قد تخطّاه كلُّ الناس دون استثناء، لأن حجم الاستباحة الإسرائيلية جعل المواطنين يشعرون، ولأيام متواصلة وثقيلة، بأن الحياة تساوي الموت، وبالتالي لا خوف من إبريق ماء ينسكب على رؤوسنا، فكلّنا في بحرٍ هائج.

مشاركة :