يرى خبراء علم النفس أن مرض أحد الزوجين يعد اختبارا لمدى تماسكهما وعطفهما على بعضهما البعض. ذلك أن المحنة التي يمر بها أحد الشريكين يمكن أن تؤثر على نفسية الآخر وتجعله سيء المزاج ما يؤدي إلى اهتزاز العلاقة الزوجية. ويؤكد الخبراء على ضرورة التماسك والتآزر أثناء المرض ما يساعد على استمرار العلاقة بين الطرفين. تتعرض الحياة الزوجية إلى بعض الأزمات التي يمكن أن تقوض بنيانها ومن بين هذه الأزمات إصابة أحد الشريكين بمرض يستلزم بقاءه في الفراش لمدة طويلة أو يستوجب عناية ورعاية خاصتين. وتحول صلابة العلاقة بين الزوجين دون أن تتأثر حياتهما بأي طارئ حتى ولو كان بسبب المرض. يشير خبراء العلاقات الزوجية إلى أنه ليس من الصّعب معرفة إن كانت العلاقة التي تجمع بين الزوجين صلبة ومتينة أم هشّة ويُمكن لأيّ مُشكلةٍ بسيطة أن تتسبّب بانهيارها. وتُعتبر المُشاركة من أهمّ الركائز التي تُبنى عليها الحياة الزوجيّة، لذلك تعدّ مشاركة الشريك في محنة المصاب وسيلة تزيد من صلابة حياتهما. كما تتميّز العلاقة الزوجيّة النّاجحة والسعيدة بحرص طرفَيها على التواصل الدائم بينهما رغم كلّ الظّروف، حتّى في ظلّ مواجهتهما لبعض المصاعب. ويرى الخبراء أن في هذا الأمر احتراما كبيرا من الشّريك للطرف الآخر في العلاقة. كما يعتبرون الإدارة السليمة والحكيمة للأزمات مؤشرا على صلابة العلاقة الزوجيّة وأنّها قويّةٌ لدرجةٍ تفوق قدرة أيّ طارئ على زعزعتها، وذلك عندما يتمكّن الزوجان من حلّ المشاكل التي تواجههما بحكمةٍ ووعي. ويعد الوقوف إلى جانب الشريك أثناء مرضه عاملا من العوامل التي تزيد في ثقته بنفسه وتهون عليه محنته وتساعد في شفائه. قال محمد هاني استشاري الصحة النفسية المصري إن “إحساس أي فرد من الأسرة حين يلمّ به مرض بأن عائلته تتمسك بالوقوف إلى جانبه، ولو كان الأمر خطيرا على أفرادها، يشكل نحو 50 في المئة من نسبة شفائه، لكن الخطورة أن يكون الاهتمام الأسري محاطا بالشفقة، لأن انعكاسات ذلك خطيرة عليه، ويشعر بأنه أصبح عبئا ثقيلا على أقرب الناس إليه”. ويرى خبراء علم النفس والاجتماع أنه ليس سهلا على شريك يعرف أن شريك حياته مصاب بوباء قاتل مثل فايروس كورونا أو مرض خطير آخر، قد يكون سببا في وفاته ويتمسك بالبقاء إلى جانبه، ما يعني أن للمرض الخطير وضعية خاصة تتطلب إظهار التضحية والمثالية والنُبل حتى آخر لحظة، لأن ذلك يكفل زيادة الصلابة النفسية للمريض ليكون قادرا على المواجهة وليس الاستسلام. وقالت هالة يسري أستاذة علم الاجتماع بمركز بحوث الصحراء بالقاهرة إن الدعم العائلي للمريض الذي يتلقى العلاج المنزلي مسؤولية شاقة على كل أفراد الأسرة، لما يعتمد عليه النجاح في التعامل معها بالاحتواء والتضامن، بغض النظر عن الخسائر، والدعم هو الكفيل بالحفاظ على التماسك الأسري مستقبلا، لأن المصاب يكون في أضعف حالاته وينتظر الدعم من أقرب ذويه، وإذا تحقق ذلك يشعر بقيمته وسط أسرته، ومن الصعب عليه أن ينسى هذا الموقف. ومن الممكن أن تختبر السكتة الدماغية مدى صلابة العلاقة الزوجية، بصورة كبيرة. وغالبا ما تكون هناك فرص ضئيلة للتآزر الحقيقي بين الطرفين، في ظل الزيارات التي يقوم بها المصاب إلى المستشفى وخضوعه للعلاج، وهو الأمر الذي يؤدي إلى عدم استمرار الحياة الزوجية لدى بعض الأزواج. الوقوف إلى جانب الشريك أثناء مرضه يعد عاملا من العوامل التي تزيد في ثقته بنفسه وتهون عليه محنته وتساعد في شفائه يقول خبراء من المؤسسة الألمانية لمصابي السكتة الدماغية إنه يجب على الأزواج أن يكونوا منفتحين مع بعضهم البعض وأن يعربوا عن مخاوفهم، من أجل تجاوز هذا الوقت الصعب سويا. كما يجب عليهم أن يسمحوا لبعضهم البعض بممارسة بعض الحرية. ويشار إلى أن شريك حياة الشخص الذي يصاب بالسكتة الدماغية، يحتاج بشكل خاص إلى استجماع قواه والتأقلم مع الواقع الجديد مع الطرف الآخر، وخاصة في ما يتعلق بالحب والعلاقة الحميمة. ومن الممكن أن تفيد مرافقة الشخص المصاب بالسكتة الدماغية، من أجل حضور جلسة من جلسات العلاج. وقد يكون الأطباء قادرين على شرح الكثير من الأعراض التي يصاب بها المرء بعد إصابته بالسكتة الدماغية – سواء كانت عاطفية أو جسدية – بصورة أفضل، ما يساعد على فهم سلوكيات معينة. ويمكن أن تؤدي إصابة أحد طرفي العلاقة بمرض خطير إلى ظهور عدم المساواة بين الجنسين بصورة صادمة، وهو ما أكدته دراسة أميركية، نشرت عام 2015، عن تأثير الصحة والتقاعد على العلاقات الزوجية، تتبع خلالها الباحثون 2700 علاقة، ليكتشفوا أن 6 في المئة من العلاقات الزوجية من هذا النوع تنتهي بالطلاق في حالة مرض أحد الطرفين. وتشير الكاتبة ديانا دينهولم في كتابها “دليل الزوجة الراعية: الاعتناء بزوجك المصاب بمرض خطير، والاعتناء بنفسك” إلى أنه ينبغي أن يتعلم الزوجان كيفية عيش اللحظة الراهنة بإيجابية، فقد يجد المريض وزوجته معنى وجمالا جديدا في الحياة، وقوة في الحب. كما أنه يحق للمرأة تحديد المهام التي يلزم أن تقوم بها والأدوار التي ينبغي أن تتجنبها، وفهم ما هو الطبيعي في ما تمر به وتشعر به، والاعتناء بنفسها حتى تتمكن من البقاء على قيد الحياة بل وتستمتع بوقتها. كما أنه من المهم الاستماع إلى رغبات الزوج المريض لتحديد احتياجاته، خاصة أن معظم المرضى يشعرون بالضغط للحفاظ على صلابتهم النفسية، لأنهم لا يريدون أن يخيّبوا ظن زوجاتهم أو يثقلوا كاهلهن.وترى دينهولم أنه من المطمئن والمريح جدا أن يتحدث الزوجان عن مشاعرهما، وعزمهما على مواجهة عواقب المرض معا بغض النظر عما سيحدث. ويمكن طلب المساعدة من الأصدقاء والعائلة، وتوجيه أولئك الذين يريدون المساعدة إلى المشاركة بطريقة عملية، فيمكن للأصدقاء والعائلة المساعدة في رعاية الأطفال وإعداد الوجبات وزيارات المستشفى. وأحيانا يكون الحزن معقّدا فينتج عنه الأرق أو الخوف المفرط أو الاكتئاب أو الأفكار الانتحارية، وهنا ينبغي طلب المساعدة الفورية من أحد الأطباء النفسيين. وأكد أحمد الأبيض المختص التونسي في علم النفس أن وقوع الزوج في أزمة مرضية تتسبب في تراجع دخله المادي أو تعرضه لحادث مرور مؤلم يؤدي إلى قعوده في المنزل بعض الوقت يجعلانه في حاجة إلى رعاية. وقال لـ”العرب” إن “الزوج المريض يصبح مرهقا ومتعبا وبحاجة إلى من يتحدث إليه ويشعره بأنه بجانبه، وهي مسؤولية الطرف الثاني عادة”. وأضاف أن “التقصير يهدد العلاقة الزوجية حتى وإن استمرت”، مشيرا إلى أن التقصير يمكن أن يحدث شرخا يصعب نسيانه. وفي المقابل يساهم الوقوف إلى جانب الشريك خلال محنته ورعايته والإنفاق عليه بسخاء في توطيد العلاقة الزوجية ورأب الصدع بين الشريكين إن وجد.
مشاركة :