منذ مطلع خمسينات القرن العشرين وما تلاها كانت الدولة الوطنية هي الحلم وهي الأمل لكل عربي ولكل مواطن ينطق بالضاد. ومن أجلها سالت دماء ومن أجلها امتلأت سجون ومن أجلها اكتضت منافي وعواصم بالحالمين بالدولة الوطنية. ولكن هذه الدولة الوطنية لم تترسخ ولم تتجذر في الوجدان وفي الثقافة وفي العقل العربي. ولم تترك أو لم تُعط المساحة لكي تكون جزءاً من التكوين الفكري للجيل العربي الجديد فقد دخلت على الخط الدولة القومية أو دولة الأمة كما طرحها القوميون وغلاة القوميين لتصطدم الدولة الوطنية وهي في بداياتها بالدعوات القوية المجموعة للدولة القومية، ما اضعف من بنيان الدولة الوطنية او الدولة القطرية والتي لا يمكن تحقيق الدولة القومية إلاّ بعد ان تترسخ أركان وثوابت وقواعد الدولة الوطنية او الدولة القطرية، فتكون لبنة صحيحة للدولة القومية التي قفز إليها الحلم القومي قفزاً احرق المراحل فتعثرت الدولة الوطنية القطرية ولم تتحقق الدولة القومية. فشلت دولة الوحدة الدولة القومية الاولى بين مصر وسوريا ليس لان ظروفها لم تنضج فحسب بل لان الدولة القطرية التي هي حجر الأساس للدولة القومية أو دولة الوحدة لم تثبت بشكل صلب ولم تتأسس بواقع مؤسساتي مكين، ولم تترسخ قواعدها في حدود قُطرها او حدودها الوطنية الصغيرة. فكيف تقفز قفزاً الى فضاء دولة الوحدة او الدولة القومية النواة؟؟ وكان من الطبيعي في هكذا وضع ان تفشل الدولة القومية او نواتها الأولى وذلك ما انعكس عطلاً على الدولة الوطنية القطرية فحدث فراغ في مفهوم الدولة وفي شروط عملها وظروف بنائها واستمرار حركتها. وهو فراغ أصاب الدولة الوطنية القطرية بما يشبه الشلل وبعضها أصابته الشيخوخة قبل موعدها وأوانها. وجميع المكوّنات الحزبية الحداثية المدنية دخلت مع دولتها في هذه الحالة العاجزة من ان تُنجز مشروعها. وككل فراغ كان لا بد وان يُملئ بغض النظر هنا أو هناك بمن يملئ الفراغ وبنوع من يملئ الفراغ. فكانت إيران أسوأ النماذج الثورية التي ملأت الفراغ في المنطقة لتشخص إليها وترنو انظار القوى والتنظيمات والاحزاب العربية المهزومة أساساً من مشروعها العاجز والفاشل. فقدمت النموذج الخميني للدولة بوصفه النموذج الثوري المنتظر او المنقذ. وكانت بداية الكارثة للعرب فما بين شلل الدولة الوطنية المضروبة من داخلها وما بين عجز الاحزاب والقوى الوطنية العربية برزت تجربة دولة خميني لهم وسط التخبطات واليأس والاحباط. وبدلاً من التحذير منها كانت الاقتراب الحميم للقوى الوطنية العربية من أول دولة طائفية مذهبية لديها مشروعها في تفريس المنطقة وفق منهج طائفي متجذر. وعلى هذا المنوال وفي هذا المناخ كان لا بد وأن تبرز الواجهات الطائفية الممثلة لمشروع دولة خميني في بلداننا العربية. فبرز أول من برز حزب الله في لبنان لتبرز معه الاحزاب الشبيهة وسط ترحيب القوى الوطنية العربية بها التي راحت تنسج معها تحالفات بعد التفاهمات حتى ابتلعتها هذه التنظيمات واحتوتها تحت العباءة الخمينية المذهبية الطائفية. وبلغنا ذروة المأساة حين راحت أحزاب علمانية وقومية عربية ومدنية تنظر وتبرر وتعلل للجمهور العربي وتشرعن قيام دولة مماثلة ومطابقة لدولة خميني. ما اتاح وما فتح لاصحاب هذا المشروع الاعلان عن مشروع الدولة الطائفية في اكثر من عاصمة عربية. فسقطت بغداد في أيدي اصحاب الدولة الطائفية واعلنت هنا جمهورية الدوار واستولى الحوثي على اليمن.. ليواجه العرب لحظة مريرة عنوانها تفريس المنطقة تحت يافطة الدولة الطائفية الفارسية الخمينية.
مشاركة :