هل انتصرت الرأسمالية حقًا للعالم في معركة الوباء؟ أم زادته إعياءً؟

  • 4/3/2021
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

كانت الرأسمالية حاضرة في كل موضوع نقاش تقريبًا، عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية العالمية قبل تفشي الوباء، فكانت المتهم الرئيسي بالبطالة وتفاوت الثروة وعدم المساواة بين الجنسين والأعراق، وطبعًا تفاقم الديون وتآكل الطبقة المتوسطة، وغيرها من القضايا المترتبة. ADVERTISING وعندما حل الوباء، راهن كثيرون على انهيار النظام الرأسمالي، أو على أقل تقدير، تعرضه لهزة شديدة تجعله عرضة للتهاوي أمام أي رياح معاكسة في المستقبل، فكيف لنظام لم يفلح (من وجهة نظرهم) خلال السلم والازدهار في معالجة قضايا الأمم أن يفلح في إدارة الأزمة؟ على سبيل المثال، قال "سكوت غالواي"، الأستاذ في كلية ستيرن للأعمال بجامعة نيويورك، إن أمريكا تتجه لتكون أمة بها 3 ملايين لورد يخدمهم 350 مليونًا من الأقنان (فلاح غير حر)، محذرًا من أن الجائحة سرعت من تغيرات اقتصادية جذرية تهدد مستقبل نظام السوق الحر. وأضاف غالواي وهو في الأساس من المدافعين عن الرأسمالية، أن القصد من الرأسمالية كان المنافسة الكاملة لإطلاق العنان لازدهار غير متوقع، لكن ذلك لم يحدث، مشيرًا إلى استفادة القلة الثرية خاصة بعد الوباء، متابعًا: لقد قررنا حماية الشركات وليس الناس، الرأسمالية تنهار فعليًا على نفسها ما لم تعد بناء عمود التعاطف. الخبير الاقتصادي "محمد العريان" قال في أغسطس الماضي، إن الضرر الذي لحق بالشركات الأمريكية من جراء الوباء يهدد النظام الرأسمالي في البلاد، داعيًا للتركيز على تقديم المساعدات إلى الكيانات الأكثر احتياجًا، بعد إغلاق أكثر من 150 ألف شركة في غضون أشهر قليلة. بم أخبر الوباء عن الرأسمالية؟ - إذا كان هناك درس اقتصادي من الاثني عشر شهرًا الماضية، فهو أن "كوفيد" كان سببًا لبدء عمل الرأسمالية بشكل مختلف، فقد أظهر الوباء أن النظام الاقتصادي ليس في أزمة، وإنما معيب من الناحية الهيكلية، بحسب الكاتبة الاقتصادية والأستاذة في جامعة لندن "ماريانا مازوكاتو". - وظائف اقتصاد العمل الحر لا تحمي العمال في الأوقات الصعبة، وارتفاع التفاوت يعني لجوء الناس إلى القروض لتغطية نفقاتهم، علاوة على ارتفاع نسبة الدين الخاص إلى الدخل المتاح، ولا تزال الشركات تعطي الأولوية لتوزيع المكاسب قصيرة الأجل على المساهمين. - إذا أُريد إعادة البناء بشكل أفضل في العام المقبل، فالعالم بحاجة إلى تصميم سياسة تصب في اتجاه النمو العادل والمستدام الذي يصب بدوره في مصلحة جميع أصحاب المصلحة ويحل أكبر التحديات المجتمعية، بحسب "مازوكاتو". - يقول مؤسس ورئيس المنتدى العالمي "كلاوس شواب" إن الاستجابة الوحيدة المقبولة لأزمة بمثل هذا الحجم (الجائحة) هي محاولة إعادة التهيئة الكبرى للاقتصادات والسياسات والمجتمعات. - يؤكد "شواب" أن هناك فرصة لإعادة تقييم "الأمور المقدسة" في عصر ما قبل الوباء، وللدفاع عن بعض القيم الراسخة، معتبرًا أن المهمة التي يواجهها العالم تتمثل في الحفاظ على الإنجازات المحققة على مدى الأعوام الخمسة والسبعين الماضية بشكل أكثر استدامة. - بحسب تقارير إعلامية، قال رئيس وزراء بريطانيا "بوريس جونسون" خلال اجتماع مغلق لنواب حزب المحافظين إن نجاح برنامج التطعيم ضد الوباء في بلاده يرجع إلى "الرأسمالية" و"الطمع"، في تصريح عفوي، ورغم أنه تراجع عنه سريعًا، فإنه يعكس جزءًا من الحقيقة التي يحذر منها كثيرون. إذاً لم تقدم الرأسمالية شيئًا؟ - ليس بالضبط، قائمة المنتقدين والمنادين بالتصحيح تطول، وعلى أي حال هم لم ينكروا تمامًا إسهامات وبعض إيجابيات الرأسمالية في إقامة عالم أكثر ازدهارًا وتنافسية وحرية اقتصادية، هم فقط انتقدوا الإخفاقات ونادوا بمعالجة القصور، وهذا لا يعني أن الرأسمالية كانت عاجزة أمام الوباء. - قبل الأزمة، شُيطنت أسماء بعض الشركات الكبرى مثل "جونسون آند جونسون" بسبب قضايا تتعلق بأسعار الأدوية وأزمة بودرة الأطفال، لكن أصبحت الشركة اسمًا مألوفًا ومقبولًا على مسامع الكثيرين، بفضل تطويرها لقاحًا ضد "كوفيد 19" يزيد من إمدادات أمريكا، ويمنح مليار شخص حول العالم أملًا بالتطعيم هذا العام. - طريق "جونسون آند جونسون" إلى اللقاح (المحفوف بالفشل ثم النجاح، وبشطب الاستثمارات ثم تحقيق الاختراقات) هو قصة غير مشهورة حول العلوم ومخاطر الأعمال والابتكار، وأيضًا درس لأولئك الذين يعتقدون أن الرأسمالية تتعلق فقط بالربح الجشع. - قال "أليكس غورسكي" الرئيس التنفيذي لـ"جونسون آند جونسون"، بعد أن سمحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بلقاح الشركة: "ما كنا لنكون أبدًا في الوضع الذي نحن فيه اليوم إذا لم نستثمر مليارات الدولارات على مدى عقود حتى نتمكن من الاستجابة". - في حين أن السباق كان سريعًا للغاية العام الماضي من أجل تطوير اللقاحات، فإن النجاح في ذلك خلال أشهر، كان نتاج عقود من الاستثمار والأبحاث. نظرًا لتصنيع لقاحات ضعيفة ضد أمراض مثل شلل الأطفال والحصبة والإنفلونزا الموسمية، عكف العلماء على مدار العقدين الماضيين على دراسة طريقة أكثر فاعلية هي "اللقاح الناقل". - في حين أن فاعلية لقاح "جونسون آند جونسون" (72%) كانت أقل من لقاحي "مودرنا" و"فايزر" (95% لكل منهما)، فإن التجارب لا يمكن مقارنتها بشكل مباشر، حيث أجرت الأولى تجاربها في الخريف وأوائل الصيف عندما ظهر المزيد من السلالات المتحورة. - أحد أسباب حماس العلماء بشأن لقاح "جونسون آند جونسون" أن جرعة واحدة منه تحث على استجابة قوية للخلايا التائية، وهذا يعني أنه من المرجح أن تستمر المناعة لفترة أطول، وأيضًا ستكون أقل عرضة للهزيمة من قبل السلالات الجديدة. - يعزو "غورسكي" الاستجابة المناعية القوية متعددة الطبقات من لقاح "جونسون آند جونسون" إلى منصتها المبتكرة لناقلات الفيروسات الغدية "AdVac"، التي طورتها على مدار عقد من الزمان. نافعة لكنها ما زالت قاصرة - في النهاية، كان للرأسمالية الفضل في إيجاد الحل الفعال والسريع لمكافحة الوباء، ليس فقط من خلال "جونسون آند جونسون"، ولكن حتى من خلال لقاح "فايزر" الذي يعود الفضل في تطويره للشركة الألمانية حديثة العهد نسبيًا "بيونتيك"، والذي يمتاز بخصائص فريدة تجعل تعديله أسهل لمواجهة السلالات الجديدة. - مكتسبات الرأسمالية كانت جلية في هذا الجانب، وتؤكد صدق الشطر الأول من التصريح المنسوب لرئيس الوزراء البريطاني، لكنها لم تكن للجميع ولم تضمن المساواة والفرصة العادلة لكل محتاج، وتمامًا مثلما كان هناك تفاوت في الاستفادة الاقتصادية من الرأسمالية كان هناك تفاوت في الاستفادة الصحية. - النظام الرأسمالي العالمي الذي أوجد لقاحًا بسرعة غير مسبوقة، لم يضمن فرصة متساوية للحصول عليه، إذ تتركز الأغلبية العظمى من الجرعات المعطاة في البلدان المصنعة للقاح والمتقدمة،في حين لم تبدأ بلدان كثيرة إعطاء أولى جرعاتها. - هذا التفاوت دفع منظمة الصحة العالمية للتحذير ضد "قومية اللقاح"، قائلة إن الدول الغنية تخاطر بحياة الأشخاص الضعفاء في البلدان منخفضة الدخل، وهو ما يؤكد دقة الشطر الثاني من تصريحات "جونسون" حول "الجشع".

مشاركة :