أصبحت المقولات والأفكار التي نسمعها يومياً وتتعلق بالرواية من الكثرة إلى الدرجة التي تجعل المتابع لا يلتفت إليها، فنحن وفق ما أعلن جابر عصفور منذ سنوات نعيش في زمن الرواية، وأصبح بالمقابل كل رأي نقدي يقال لاختبار الفائدة من هذه المقولات أو وضع مسارات وتفاصيل هذا الزمن على محك العقل والتحليل، من قبيل الكلام المكرر بدوره الذي يشعر معه البعض بالملل، لقد ترك الطرفان، المروج لزمن الرواية والمنتقد له، الأمور تجري على الأرض تبعاً لمتطلبات سوق النشر، ولكن تصادفنا بين الحين والآخر أطروحة هنا أو معلومة هناك تفتح الشهية للجدل بما تثيره من استفزاز ثقافي. تحت عنوان براق نشرت صحيفة أخبار الأدب حواراً مع الدكتورة سماح سليم الباحثة في تاريخ الرواية، يقول العنوان: في تحد واضح للمؤسسة النقدية والأدبية، د.سماح سليم: في البدء كانت الرواية الأعلى مبيعاً، ومع تجاوز مصطلح المؤسسة الأدبية والنقدية التي لا وجود لها في الثقافة العربية الراهنة وقد يفصل البعض في التاريخ ليؤكد أنه لم يكن لها أي وجود في يوم من الأيام، يجذبنا العنوان لنقرأ المعلومات التفصيلية التي توردها الباحثة في ثنايا الحوار معها لتجزم أن الرواية الشعبية كانت الأكثر مبيعاً في بدايات القرن العشرين، متجاوزة كل أنواع الأدب والكتب الأخرى، وأن مشاهير النقاد تجاهلوها عند التأريخ للرواية، حيث فضلوا أن يبدأ هذا التاريخ برواية مكتوبة بنزعة قومية: لغة عربية فصيحة، موضوع رصين، ثيمة مأخوذة من البيئة الوطنية، وكلها سمات لم تكن تتوافر في الرواية الشعبية. يثير الموضوع الكثير من الملاحظات، فالرواية الشعبية بسيطة اللغة، صغيرة الحجم، أحادية الموضوع، مؤلفة أو مترجمة كانت الأعلى مبيعاً ليس في بدايات النهضة، وحسب ولكن على مدار القرن الماضي كله وحتى الآن، وتجاهلها من قبل الدارسين بسبب ضعف مستواها الفني وليس نتيجة لتعالي النقاد على المكتوب للشعب، وهناك لبس كبير في ثقافتنا عند الحديث عن العلاقة الشائكة بين ثقافة للنخبة وأخرى للجمهور، وهي أمور يعرفها كل قارئ ومتابع للرواية، ويبقى السؤال: لماذا الترويج للرواية الشعبية الآن؟ لقد افتتحت المبيعات اللافتة لعلاء الأسواني ويوسف زيدان وأحلام مستغانمي ورجاء عبدالله زمن الرواية الذي ترسخ رويداً رويداً بفعل الكثير من الظواهر التي رافقت هذا الزمن، واعتبر النقاد أعمال هؤلاء على اختلاف مستواها تنتمي إلى الرواية الرصينة، الآن يبدو أن الرواية بعد كل هذه الضجة تعيش أزمة حقيقة تطال الكيف والقيمة والجوهر، ويلفت نظرنا عشرات الروايات تتسيد ساحة المبيعات بالفعل، والتي لو طبقنا عليها معايير النقد لوجدناها رواية شعبية، ومن هنا علينا أن ننتبه إلى خلفيات الترويج للرواية الشعبية والتأصيل لها، حيث يبدو أننا مقبلون على زمن الرواية الشعبية. محمد إسماعيل زاهر
مشاركة :