« أ » يقال في الطب «بداية علاج المرض تكمن في التشخيص الصحيح للعرض» ولكن يبدو أن وزارة الصحة لها رأي آخر. أرقام ونسب مئوية تشير إلى تراجع أعداد الإصابات بفايروس كورونا المستجد، أعلنت عنها وزارة الصحة، خلال الأيام الماضية. الحالات النشطة المصابة بكورونا انخفضت بنسبة 75 في المئة، بعد تسجيل 483 حالة إصابة جديدة بفايروس كورونا الجديد «كوفيد -19» فقط يوم الأحد الماضي. الأرقام الأخيرة أدخلت البهجة والسرور على قلوب المواطنين، لكن المتأمل لحقيقة الأمر يتساءل: هل تملك وزارة الصحة عصا سحرية، أم أن هناك سرا خفيا لا يعلمه الكثير؟ والسؤال الأكثر رجاحة هو: لماذا دول متقدمة مثل المملكة المتحدة «بريطانيا» سجلت في نفس التوقيت 3 آلاف و899 حالة إصابة جديدة؟ لعل هناك مبررا. « ب » حل لغز وزارة الصحة يكمن في عمليات المسح النشط والفحص، الذي اتبعته وزارة الصحة، كنهج منذ شهر شعبان 1441 الماضي، بالتزامن مع بدء تفشي الفايروس. وزارة الصحة لا تكذب ولكنها في الحقيقة تتجمل، فالأرقام المعلنة خلال الأيام الماضية حقيقية، ولكنها جاءت نتيجة إيقاف عمليات المسح النشط في الأحياء ومواقع سكن العمالة الوافدة والعشوائيات. نحن لا نهاجم أحدا ولكن نضيء شمعة حتى ننير الظلام، والأرقام ستكون خير دليل وسند وشاهد على صدق الحديث. ذروة الإصابات بفايروس كورونا المستجد وصلت قمتها في 25 شوال 1441 الماضي، حيث تم تسجيل 4 آلاف و919 إصابة. ولعل الفرق واضح في الانحدار الحاد الذي لا يستطيع علماء الإحصاء والمسح تفسيره، بعد أن وصلت الإصابات إلى 483 حالة في أقل من خمسة أشهر فقط. وهو ما لم يحدث حتى في الدول التي بدأت في تطبيق لقاح كورونا، حتى الصين بؤرة المرض لم تصل لهذه النسبة إلا بعد الحجر الشامل لعموم البلاد. « ت » بدراسة رقمية مقارنة، لتوضيح حقيقة الحال، بلغ حجم المسح النشط في 26 رمضان 1441 نصف مليون فحص مخبري، شمل الأحياء وسكن العمالة والعشوائيات في 24 ساعة فقط. أما في شهر 22 من ذي الحجة 1441، فقد بلغ عدد الأشخاص الذين خضعوا للمسح 67 ألفا و 676 شخصا، في 24 ساعة أيضا، بينما يوم السبت 2 من صفر 1442، فقد بلغ عدد الأشخاص الذين خضعوا للمسح 49 ألفا و700 شخص، في 24 ساعة كذلك. وأخيرا في يوم الأحد 3 صفر 1442، فقد بلغ عدد الفحوص المخبرية للمسح 43 ألفا و32 فقط خلال 24 ساعة. هذه هي المعادلة الصحيحة التي يجب أن تُكشف بمنتهى الوضوح أمام العيان، كما أنها حقيقة بالغة الخطورة يجب الإشارة إليها. فها هي وزارة الصحة تعترف في بداية تفشي وباء كورونا في السعودية خلال شعبان 1441، بأن عمليات المسح النشط قد أثبتت أن 80 في المئة من الكشف في الإصابات اليومية يعود للمسح النشط. وأنه لولا هذا المسح لتضاعفت الأعداد بشكل يومي وتجاوزت آلافا عديدة. المسح الميداني النشط أو «ground screening» جسد تجربة رائدة للسعودية على مستوى العالم، وضرب بالجهود الصحية المثال في مكافحة الفايروس بالكشف المبكر عنه، ولعل العديد من علامات الاستفهام التي تردد في ذهن المطلع على الأمر، كان أبرزها هو لما تم تقليص خطة «المسح النشط» في المناطق المكتظة بالتجمعات العمالية والأحياء العشوائية. الإجابة تجدها عند وزير الصحة، توفيق الربيعة، الذي قرر تقليص المسح الشامل مؤخرا، فهو نفسه الذي كشف في وقت سابق أن المسوح النشطة داخل الأحياء تهدف للوصول إلى الأشخاص في منازلهم في وقت مبكر، حتى لو لم تظهر عليهم أعراض كورونا. الأمر جد خطير، حينما تعلم أن 80 في المئة ممن أظهرهم المسح النشط، لم تظهر عليهم أعراض الفايروس ولكنهم كانوا مصدرا لنقل العدوى، بحسب إحدى الدراسات الطبية. إن إيقاف أو تقليص عمليات المسح، بمثابة التستر على شخص يحمل وباء متنقلا لينشره بين المواطنين دون أن يشعر.
مشاركة :