بالطبع لن أتحدث عن إيجابية مبادرة أبشر «فرجت»، فالفرح الذي تناقلته وسائل التواصل مازالت لذاذته تستطعمها قلوبنا، فكيف به في قلوب وأهل وأقارب من أفرج عنهم، كما أنني لن أتحدث عمن تسبب فيها وأطلقها، فجزاؤه على الله الغني الواسع. أنا سأتحدث عن هؤلاء العمالقة من زاوية أفكارهم التي صنعت حياة «المفرج عنهم من جديد»، ليصبح أولئك المبادرون مادة إلهام ثرية للناس عامة، وللكتاب والشعراء والفنانين في كل المجالات خاصة، وسوف يخلّدهم التاريخ في صفحاته للأبد، كما خلّد زهير بن أبي سلمى فضل المبادرَينِ: الحارث بن عوف، وهرم بن سنان في معلقته على مرّ الأزمنة والدهور. ومن المذهل حقًا أن تحقق هذه المبادرة النجاح الباهر في زمن قياسي، مما يجعلنا نصنّفها أنها من المبادرات النوعية التي يراد بها خدمة إنسانيّة بحتة خالصة من شوائب «الأنا والمصلحة»، ومن أجل ذلك أحدثت أثرًا عظيمًا ورواجًا ممتدًا، وأصبحت أنموذجًا يحتذى به ومحفزًا للآخرين، ودومًا ما يرتبط نجاح المبادرة بعوامل وأسباب معينة على تأثيرها، فمن الأسباب التي ساهمت في نجاحها المبارك: * اختيار الوقت المناسب لإطلاقها، فلا أجلّ ولا أجمل من شهر الخير، القلوب رقيقة رهيفة، والأنفس متلهفة مانحة، والملائكة تحفّ المجالس والاجتماعات، والكل يطلب ما عند الله من أجر. * التوثيق والمصداقية، ففي ظل الأخبار الكاذبة، والإعلانات المزورة انبرت تلك المبادرة يساندها أقوى برنامج إلكتروني حكومي، مما دفع المبادر للمساهمة براحة مصدرها الثقة، وكلنا نعرف أن الثقة لا يمكن الحصول عليها إلا من باب الإيمان بالجودة. * أثر المبادرة ليس وقتيًا، إذ لا تهدف المبادرة لقضاء الاحتياجات الأولية والاستهلاكية ذات النفع السريع، وهذا ليس من التقليل من شأن تلك المبادرات، ولكن «فرجت» جمعت الحسنيين، النفع الحالي الوقتي والمستقبلي للمفرج عنه، إذ منحته فرصة نجاة من دمار حاصل وانهيار محقق، وهي فرصة إنقاذ أيضا لأسرة كاملة من الشتات والضياع، كما تعطيه فرصة أخرى ليعيد ترتيب أفكاره التي أصابها الشلل والعجز وقلة الحيلة من قيد الدين. لله درّ صاحب الفكرة ومنفّذها ومُمَوِّلها، هؤلاء الرموز الذين جعلوا من عيد المثقلين بالديون عيدين: عيد الفطر، وعيد الفك من القيد والأسر.
مشاركة :