اتجه أهالي منطقة الباحة إلى تنمية السياحة بعد أن برزت هذه الوظيفة قبل عقدين من الزمن، وذلك بالمشاركة في منظومة تقديم الخدمة للزوار كبناء الفنادق والشقق المفروشة والمجمعات السكنية، ونظرًا لتزايد أعداد المصطافين عامًا بعد عام، الأمر الذي دفعهم إلى بناء المزيد من وحدات الإيواء. ومن الملاحظ أن الكثافة العددية تزداد في فصل الصيف وتقل في فصول السنة الأخرى، رغم أن منطقة الباحة تصلح لاستقبال السياح على مدار العام، ويزداد جمال الباحة في فصلي الربيع الشتاء حيث الضباب الآسر والذي يشكل لوحات تزيد من جماليات المكان، وفي الشتاء يتحول القطاع التهامي إلى مواقع مثالية لاستقطاب الزوار والسياح حيث الدفء والأودية الغناء، وهذا التنوع المناخي والطبوغرافي يوسع مفهوم السياحة بالباحة لتستمر على مدار العام. وكانت الخدمة في الماضي محدودة تتمثل فقط في تهيئة وحدات للإيواء، وهذا غير كاف، إذ تعد «الباحة» كنزًا سياحيًا لم يكتشف بعد، أما كيف؟ فهناك مواقع تاريخية وأثرية وتراثية وسياحية فضلًا عن الموروثات الثقافية من أكلات ورقصات شعبية وطرز معمارية وأساليب حياتية لإنسان الباحة، والحديث عن تلك المواقع يحتاج إلى مساحات أوسع إلا أننا نختصر الحديث على الجانب التاريخي، حيث يمر درب الفيل في محافظة العقيق شرق منطقة الباحة، ومازالت معالمه واضحة من الأحجار المرصوفة وهي باقية حتى الآن، رغم مرور الزمن الطويل والطريق في الأصل طريق التجارة من جنوب الجزيرة العربية إلى شمالها، وعُرف فيما بعد بطريق الفيل بعد أن سلكه أبرهة الحبشي، حين أراد هدم الكعبة المشرّفة وحدث له من العقاب الرباني وأضحى هو وجنده كعصف مأكول. أقول هذا الطريق -بحد ذاته- جاذب ليراه الزوار عن قرب، أما الناصف بوادي بيده أو أبيده -بحسب مسماه التاريخي- هناك يرقد الشاعر الجاهلي صاحب لامية العرب «الشنفرى» والذي قال عن لاميته عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «علموا أبناءكم لامية العرب فإنها تعلمهم مكارم الأخلاق» بما اشتملت عليه اللامية من شمائل رائعة. ويمكن تنظيم برامج ثقافية ومهرجانات شعرية في الموقع ذاته، أما دوس ديار أبي هريرة -رضي الله عنه- أكثر من روى أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- فهي تتميز إلى جانب العمق التاريخي بالجمال الطبيعي، وعند أقدام جبل أثرب ديار بني تغلب وملكهم وائل بن ربيعة الملقب بكليب، وهناك مواقع ودلائل تشير إلى حياة تلك القبائل العربية العريقة، ومدن وقرى كانت منتعشة قبل وبعد الإسلام كعشم والخُليف والخليف العصداء وغير بعيد سوق حُباشة السوق التاريخي لقبائل الأزد، وغيرها، وإذا جئنا إلى التراث العمراني فيتجلى في قرية ذي عين وعشرات القرى تراثية، أما جبلا شدا فهما قصة مدهشة إذ يحتاج «شدا» إلى مقالة مستقلة.
مشاركة :