الميناء، شمال لبنان 5 أبريل 2021 (شينخوا) في مدينة الميناء الساحلية بشمال لبنان تسكن مئات العائلات في غرف صغيرة سقوفها من "التنك" (الصفيح) في ظروف حياتية سيئة في بقعة لا تتعدى مساحتها 500 متر مربع تسمى "حي التنك". و"حي التنك" العشوائي أو حارة التنك هو الحي الأشد فقرا بين أحياء مدن وبلدات شمال البلاد، وفق تصنيف جمعيات أهلية تقدم ما أمكن من مساعدات لقاطنيه بين الحين والآخر. وفي "حي التنك"، الذي اكتسب اسمه من سقوف غرف شاغليه المتهالكة، يضج كل شيء بالفقر والعوز والبؤس الظاهر على وجوه سكانه لانعدام النظافة وامدادات المياه الصالحة للشرب، والصرف الصحي، وممرات المشاة، والمدرسة والمستوصف. وتتشكل "البيوت" في حي التنك بأغلبها من غرفتين في موازاة الأرض، وتمنع السلطات سقفها بالاسمنت لأنها مبنية على املاك الغير، أما واجهات غرف البيوت فيكسوها العفن وتزنرها حبال الغسيل. والأطفال هم أول من يستقبل الداخل إلى "حي التنك" حيث تنتشر مجموعاتهم في شارع الحي وأزقته الترابية وهم بغالبيتهم أميين قلة منهم تذهب إلى المدرسة وبعضهم كان بدأ العمل في سن مبكرة لتلبية حاجة عائلته الماسة إلى كل فلس. ويتحلق الأطفال من حولك لادراكهم بأنك لست من الحي آملين أن تكون من جمعية تقدم اعانات أو انك تبحث عن عمال أو حمالين ثم يرشدونك إلى مصطبة صغيرة في زقاق أمام غرفة حيث تجلس الحاجة سميرة الأحمد (65 عاما) وجاراتها. وروت الأحمد لوكالة أنباء ((شينخوا)) معاناتها اليومية الصحية البيئية "كلما أمطرت تدخل المياه إلى منازلنا من سيول ومستنقعات المياه الموحلة من أزققة الحي الترابية فضلا عن مياه الحفر الصحية، مشيرة إلى أن البلدية كانت سابقا تقوم بشفط مياه الحفر الصحية بالصهاريج مجانا، أما اليوم فقد أصبح هناك بدل مالي قيمته 50 ألف ليرة لبنانية". وأضافت "اما في الصيف فيشتد القيظ في غرفنا اذ لاسقف من الاسمنت ليحمينا من حرارة الشمس اللاذعة في وقت تتراكم فيه النفايات والحشرات والفئران والجرذان وحتى الأفاعي". وأوضحت أن سكان الحي يعملون في جمع الخردة وبيعها وصيد الأسماك وفي المقاهي الشعبية المنتشرة على الكورنيش البحري القريب علما أن عددا كبيرا من أرباب العائلات والشبان عاطلون عن العمل مع الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تضرب البلاد وتفشي مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19). وعلى مقربة من مصطبة الحاجة سميرة كانت خديجة محمد (55 عاما) تقوم بنشر البسة وبطانيات على حبل قرب باب غرفتيها لتعريضها للشمس والهواء بعدما تبللت بمياه الامطار المتسربة من السقف. وقالت "نحن هنا منذ عشرات السنين ونريد أن نخرج من الحي الموبوء لكن لا قدرة لنا على ذلك". وأضافت "زوجي واولادي يعملون في بيع القهوة والكعك على عربات على الكورنيش البحري ونحصل أيضا على بعض المساعدات من جمعيات محلية مما يساعدنا على البقاء على قيد الحياة". ويضم "حي التنك" اليوم حوالي ألف عائلة، وكانت لجأت عشرات العائلات مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في سبعينيات القرن الماضي إلى أرضه وبنت عليها مأوى مؤقت، لكن اكثرية القاطنين اليوم، ليسوا من نازحي الحرب أو مهجريها، بل هم ضحايا الفقر ورثاثة الحال يضاف إليهم عائلات نازحة من سوريا. وأوضح عضو دائرة الهندسة في بلدية الميناء عامر حداد لـ(شينخوا) أن الأرض التي تم بناء "حي التنك" عليها كانت مشاعا تملكه الدولة، لكن في العام 1992 بيعت الأرض لملاكين كبار في طرابلس كبرى مدن الشمال لتتحول إلى أملاك خاصة. وأشار إلى ان أصحاب الأرض الجدد قاموا بالادعاء أمام القضاء على شاغليها، مطالبين بإخلائها لكن الأهالي اعترضوا وقاموا قبل عامين بمنع الجرافات من دخول الحي وجرى وقف قرار الهدم لحين إيجاد تسوية بين الجانبين. وأضاف أن "البلدية كانت تقوم بجمع النفايات ولكنها لا تملك الحق بإقامة طرقات أو شبكة صرف صحي كون الأراضي أملاك خاصة وهناك نزاع عليها، الا أن البلدية كانت تعطي اذونات لجمعيات محلية ومنظمات دولية بإقامة بنى تحتية واصلاح مساكن في جزء من أرض الحي تعود ملكيتها للبلدية. بدوره، قال مالك إحدى قطع الأراضي التي يقوم عليها "حي التنك"، لـ(شينخوا)، إن قطعة الأرض التي يمتلكها تقع مقابل الكورنيش البحري وتقدر قيمتها اليوم بأكثر من مليون دولار أمريكي. وأوضح مالك الأرض الذي تحفظ على ذكر اسمه أن "الأرض محتلة من عشرات العائلات الذين بنوا سكنا عليها ويرفضون الخروج منها رغم انني رفعت دعوى قضائية وربحتها". وأضاف "ننتظر من الدولة أن تعيد لنا أرضنا وقد عرضنا دفع تعويضات للاهالي وننتظر أن يبت بالأمر لكي تعود لنا أملاكنا لنتمكن من استثمارها". يذكر أن مشكلة إنشاء مساكن عشوائية على أملاك الغير أو على أملاك عامة تمثل معضلة في أكثر من منطقة في لبنان لم تتمكن الحكومات المتتالية بعد الحرب الأهلية في لبنان (1975 - 1990) من معالجتها حتى الآن.
مشاركة :