«نوستالجيا» الزمن الجميل

  • 6/17/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

وأنت تجتاز الشوارع الرئيسية في المدينة، تطالعك تلك اللوحات التي تعلو المتاجر، فتقرأ فيها «مطعم الزمن الجميل» و«حلوى الزمن الجميل»، تسارع لركن مركبتك لتشتري بعضًا مما تعرضه هذه المتاجر. تعود لمنزلك لتتذوق ما اشتريت لتجد أن طعمها ليس بذلك الوصف الجمالي الذي يحتويه اسم المتجر، فهناك مكونات غذائية حديثة قد دخلت في تركيب هذه الوجبات الشعبية، وقد يكون من أعدها كذلك من العمالة الوافدة التي تفتقر لِلنَفَسْ الغذائي الذي كان متوافرًا لدى أمهاتنا وجداتنا في الماضي. إذا ما الذي يدعونا لشراء كل ما له علاقة بالماضي، حتى الأثاث الذي نضعه في استراحاتنا، مع علمنا بأنه ليس بجودة منتوجات الماضي، بل ويعد بيد وافدة، في تقديري إنها حالة من «النوستالجيا» أي الحنين للماضي بكل ما فيه. وقد يكون الباعث لهذا الحنين هو أننا عايشنا هذه الأشياء في طفولتنا، حيث كانت فترة صبانا هي مرحلة اللهو والسعادة البريئة بعيدة عن تعقيدات المدنية الحديثة، وربما يكمن الباعث كذلك صدمتنا في الكثير من المكون البنيوي البشري للمجتمعات المتمدنة، الأمر الذي دعانا لكي نطلق على كل ما نلقاه من أشياء ومتعلقات الماضي بأنه من «زمن الطيبين». المفارقة أن علماء السيكولوجيا يصنفون حالة الحنين للماضي أو ما يعرف بـ«النوستالجيا» بأنه عرض نفسي يمر به العديد من الناس نتاج تموضع ذكريات جميلة في الماضي، إلا أنه قد يتحول لمرض نفسي إذا ما أثر على حياة الإنسان وواقعه الآني والمستقبلي. أذكر جيدًا أني قد قرأت ذات يوم بأن ابن خلدون صاحب المقدمة الشهيرة، قد صرخ ذات مرة واصفًا زمنه ووجوديته المرحلية التي سبقت مدنيتنا بسبعة قرون، بأنه يعيش في زمن شرار الخلق، الأمر الذي يدعوني لأن أقول: إنه على الإنسان أن يحيا زمنه ومرحليته بكل ما فيها من دعة عيش أو تعقيدات، فلربما لو عادت به الحياة للماضي لردد القول الشعري المنسوب للخليفة الراشد علي بن أبي طالب: عَجَبا لِلَّزمانِ في حَالَتَيْهِ ** وبلاء ذهبت من إليه رُبَّ يَوْمٍ بَكَيْتُ مِنْهُ فلمّا ** صرت في غيره بكيت عليه

مشاركة :