عادت أسعار النفط الخام إلى الارتفاع بفعل بيانات اقتصادية قوية في الولايات المتحدة والصين تغلبت في تأثيرها على استمرار الإغلاق العام وتسارع الإصابات بوباء كورونا خاصة في أوروبا. وكانت وتيرة الأسعار قد هدأت نسبيا بالتزامن مع قرار مجموعة "أوبك +" بزيادة الإمدادات النفطية بواقع 500 ألف برميل يوميا ابتداء من أيار (مايو) المقبل وعلى مدار ثلاثة أشهر بالتوازي مع رفع التخفيضات الطوعية التي طبقتها السعودية على مدار ثلاثة أشهر وبلغت مليون برميل يوميا. وقال لـ"الاقتصادية"، محللون دوليون إن ارتفاع أسعار النفط الخام يعزز من وضعية وتنافسية شركات النفط الصخري الأمريكي على نحو كبير بعد معاناة وضغوط سابقة هائلة أدت إلى توقف كثير من الشركات إلا أن وضع السوق حاليا جدد التفاؤل وعزز الأمل في أن استثماراتها ستؤتي ثمارها. وأكد سيفين شيميل مدير شركة "في جي إندستري" الألمانية، أن البيانات الاقتصادية القوية لكل من الولايات المتحدة والصين الخاصة بالتوظيف وانخفاض البطالة وتنامي الأنشطة الصناعية أسهمت في تحفيز أسعار النفط الخام على تحقيق مزيد من المكاسب بعد فترة قصيرة من التعثر على أثر تجدد حالات الإصابة بفيروس كورونا في أوروبا. وذكر أن ترقب السوق لحدوث زيادة وشيكة في إمدادات "أوبك +" قلص المخاوف من تشديد المعروض وأدى إلى هدوء نسبي في الأسعار، لافتا إلى احتمال حدوث انخفاضات سعرية أوسع إذا تم التوصل إلى أي اتفاق مع إيران خلال المفاوضات الجارية حاليا في فيينا وهو ما قد يدفع السوق إلى توقع تخفيف العقوبات والقيود على تجارة النفط الإيراني، ولكن أغلب التوقعات تراهن على أن فرص تحقيق انفراجة ضئيلة. من جانبه، قال روبين نوبل مدير شركة "أوكسيرا" الدولية للاستشارات إن تعافي الطلب العالمي من تداعيات جائحة كورونا ما زال موضع شكوك واسعة في ظل تجدد الإصابات واتساع قرارات الإغلاق في أوروبا حيث يعاني الطلب الأوروبي تجدد حالة التباطؤ والكساد وهو ما يضعف فرصة استمرارية وتواصل المكاسب السعرية. ولفت إلى أن الربع الأول من العام الجاري شهد عديدا من المتغيرات الإيجابية الداعمة لأسعار النفط الخام وأبرزها ظهور اللقاحات واتساع نطاق توزيعها ما أدى إلى مكاسب سعرية بنحو 22 في المائة خلال ثلاثة أشهر نتيجة التفاؤل الواسع بانتعاش الطلب الذي قوبل بحذر شديد من جانب مجموعة "أوبك +" التي فضلت التمسك بقيود الإنتاج المشددة على مدار الشهور الماضية قبل العودة المرتقبة لزيادة الإنتاج ابتداء من أيار (مايو) المقبل لتلبية ارتفاع الاستهلاك الموسمي في أشهر الصيف. من جانبه، أكد ماركوس كروج كبير محللي شركة "أيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز أن تحسنا ملموسا في أساسيات السوق يفرض نفسه حاليا ويدعم حالة التفاؤل القوية في استقرار السوق في الأمد القصير حيث تلقت الأسعار دعما أيضا من خلال عدد كبير من البيانات الاقتصادية الإيجابية من الولايات المتحدة. وتوقع أن يؤدى قرار مجموعة "أوبك +" بالعودة إلى الزيادات التدريجية في الإنتاج ابتداء من أيار (مايو) المقبل إلى تحقيق استقرار سوق النفط بعد تلبية احتياجات دول الاستهلاك إلى مزيد من الإمدادات وتخفيف الضغوط التي تحفز الأسعار نحو الصعود السريع، مشددا على أن الطلب يبدو مشرقا نسبيا على وجه الخصوص في ظل جهود فتح البلاد بشكل جيد في الولايات المتحدة إضافة إلى الدعم الاقتصادي القوي المتمثل في الحوافز المالية والاقتصادية. بدورها، قالت نايلا هنجستلر مدير إدارة الشرق الأوسط في الغرفة الفيدرالية النمساوية إن سوق النفط الخام تقطع خطوات جيدة نحو استعادة التوازن على الرغم من استمرار بقاء بعض الرياح المعاكسة المتمثلة في الإصابات والإغلاق، لافتة إلى تقرير صادر عن شركة "سيتي جروب" يؤكد أهمية قرار وزراء "أوبك +" بالاعتماد على الطبيعة التدريجية لعودة إمدادات النفط الخام مما يؤدي بدوره إلى تراجع أعمق للمخزونات العالمية في الربع الثاني. وذكرت أن أغلب البنوك حاليا عدل توقعاته لسوق النفط بشكل إيجابي للغاية خاصة مع اقتراب حلول فصل الصيف في نصف الكرة الشمالي، مشيرة إلى أن مخاوف تجدد تخمة المعروض لم تنته بعد من السوق بسبب زيادة الإنتاج الليبي واحتمال عودة البراميل الإيرانية إضافة إلى الزيادات المدرجة والمعلنة من مجموعة "أوبك +". وفيما يخص الأسعار، ارتفع النفط أمس إذ يتطلع المستثمرون إلى تصيد صفقات عقب انخفاض في اليوم السابق بفعل ارتفاع إنتاج "أوبك +"، فيما تحسنت آفاق التعافي بفضل بيانات اقتصادية قوية من الولايات المتحدة والصين. وبحسب "رويترز"، فإنه بحلول الساعة 06:46 بتوقيت جرينتش، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 78 سنتا أو ما يعادل 1.26 في المائة إلى 62.93 دولار للبرميل، بعد أن نزلت 4.2 في المائة أمس الأول. وزادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 81 سنتا أو ما يعادل 1.38 في المائة إلى 59.46 دولار للبرميل، بعد أن نزلت 4.6 في المائة أمس الأول. وتلقت المعنويات في السوق دفعة من مسح معهد إدارة التوريدات الذي كشف أن نشاط قطاع الخدمات الأمريكي بلغ أعلى مستوياته على الإطلاق في آذار (مارس). تأتي البيانات بعد تقرير للوظائف يوم الجمعة الماضي فاق التوقعات بإضافة 916 ألف وظيفة إلى الاقتصاد الأمريكي الشهر الماضي. وقالت مارجريت يانج الاستراتيجية لدى ديلي فيكس إن البيانات الأمريكية "أكدت زخم النمو في أكبر اقتصاد في العالم، ما أدى إلى توقعات مشرقة للطلب على الطاقة". وتدعمت المعنويات الإيجابية، إذ كشف مسح يجريه القطاع الخاص أن نشاط قطاع الخدمات الصيني تسارع في آذار (مارس) إذ عينت الشركات مزيدا من الموظفين وزاد تفاؤلها. إضافة إلى ذلك، من المقرر أن تخفف إنجلترا قيود مكافحة فيروس كورونا في 12 نيسان (أبريل)، مع إعادة فتح أنشطة من بينها كامل المتاجر وصالات الألعاب الرياضية وصالونات تصفيف الشعر ومناطق الضيافة الخارجية. وستسمح نيوزيلندا للأستراليين بزيارات دون حجر صحي ابتداء من التاسع من نيسان (أبريل)، مكونة "فقاعة سفر" للدول المجاورة. وأسهمت تلك العوامل على جانب الطلب في تبديد أثر مخاوف بشأن اتفاق أبرم الأسبوع الماضي من جانب منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاء، المجموعة المعروفة باسم "أوبك+"، لإعادة 350 ألف برميل يوميا من الإمدادات في أيار (مايو)، و350 ألف برميل يوميا أخرى في حزيران (يونيو)، و400 ألف برميل يوميا أخرى أو نحو ذلك في تموز (يوليو). كما من المقرر أن تتخلص السعودية من خفض إضافي طوعي بمليون برميل يوميا على مدى تلك الأشهر الثلاثة. وفي الوقت ذاته، تعكف إيران، عضو "أوبك" المعفاة من القيام بتخفيضات، على زيادة الإمدادات. من جانب آخر، تراجعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 61.70 دولار للبرميل أمس الأول مقابل 61.77 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق ثالث تراجع له على التوالي، كما أن السلة خسرت نحو دولارين مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 63.37 دولار للبرميل.
مشاركة :