الساعة السابعة مساءً، ذهني مُرهق، كيف سأكتب المقالة الآن؟ تعودت على اختيار موضوعات أعتقد أنها جيدة، فكما أردد «أحترم قُرّائي جدا وأكتب لهم ما يليق بي وبهم» ولكن وجدت أن جميع الكُتّاب والكاتبات يحصلون على الثناء والتقدير ذاته، بل ربما «مقالات السوالف» تحظى بتفاعل أكثر من غيرها. نحن –جميعنا- كُتّاب مُثقفون، ولنا أعمدة أسبوعية وشهرية، وحسابات نفتي ونطلق تصريحاتنا عبرها على حد سواء، ولا فرق بين مقالة «فلها وربك يحلها» أو «فلسفة الجسد والبنية الثقافية» لهذا سأكتب مقالة تافهة. لم أستغرب انطفاء نشاط موظفي الشركة بعد تيقنهم بأنه لا توجد علاوات أو تقدير خاص لبعض الموظفين المتميزين، بل في الغالب يحظى الموظف الكسول برفاهية أكثر، فالمدير يعرف أنه لن ينجز بإتقان، فيُكلف زميله الملتزم بالمهام، لكيلا يتأخر العمل، النتيجة أن الموظف المجتهد تغيّر تدريجيا، أصبح يقفل مكتبه لفترات طويلة، ولم يعد يرد على هاتف العمل. يقول: لماذا أتكلف جهدا ما دمنا كلنا موظفين مُقدَّرُين على درجة واحدة من المستوى التقييمي؟ وهنا نعود للمقالة: لماذا إجهاد الذهن بمقالة جيدة وأفكار مُتقنة ومنظمة؟ فهذا يُكلف وقتا أطول من كتابة سطور إنشائية راقصة، نعم، وحدهم الكُتاب والأدباء والشعراء يعرفون أن رقص القلم يلد نصا جاذبا وليس بالضرورة مجهدا، فتعالوا لنكتب عن مهارات السباحة ونقرنها بالحب، كيف يتمايل جسد السبّاح العاشق؟ بينما يسبح غير العاشق مستقيما كالخشبة. ننشئ لوحة جمالية لنُمتع القارئ، فيعتقد بها حتى لو أنها إنشائيات وهمية، في النهاية لن تخسر هذه المقالة، فالقُرّاء الذين أُعجبوا بها هم أنفسهم أثنوا على غزارة مقالة «فلسفة الجسد والبنية الثقافية» وأشادوا بخفة وسلاسة مقالة «فلها وربك يحلها» وأسعدتهم مقالة «السبّاح ونغمات العشق» بل الأرجح أن الأخيرين سينالان تقديرا أكثر! إذا، ما هذا الغباء أيها الكاتب المُعقد! لقد تغيّر كل شيء، عصرنا السيّال أراق كل العناصر فوق بعضها، مات المُحَكِمون وظلّ الجمهور يعبث بالتقييم، فلم تعد تكتب لأحد، غير نفسك.
مشاركة :